للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من دمه، فبلغ ذلك الحجاج، فقال له: أأنت قلت ذلك؟ فقال نعم ولكني أردت العنب الحضرم، ولم أردك، فقال له: لأحملنك على الأدهم، فقال القبعثري: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب، فقال له الحجاج: ويلك، إنه لحديد، فقال: إن يكن حديداً خير من أن يكون بليداً، فقال الحجاج لأعوانه: احملوه، فلما حملوه قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين" فقال: اطرحوه على الأرض، فلما طرحوه قال: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم" فصفح عنه الحجاج.

وقد رأيت أن القبعثري قد سحر الحجاج بهذا الأسلوب حتى تجاوز عن جريمته، حتى قيل: إنه أحسن إليه. والقبعثري: من رؤساء العرب وفصائحهم، وكان من جملة الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي كرم الله وجهه (١).

فقد أورد الحجاج لفظين كل منهما صالح لمعنيين وهما: (الأدهم) و (حديد): فالأدهم صالح لأن يكون بمعنى الفرس الأدهم، أي الأسود، وصالح لأن يكون بمعنى: القيد، لأن فيه دهمة.

والحديد: صالح لأن يكون وصفاً للفرس، أي فيه حدة، وصالح لأن يكون بمعنى معدن الحديد، وقد أراد الحجاج من كل منهما معنى غير الذي يقصده القبعثري، لأن مقصد الحجاج فسره على ذل القيد، ومقصد القبعثري: إكرام الحجاج له بحمله على فرس أدهم.

فكل منهما قد حمل اللفظ الذي احتمل معنيين على خلاف مراد الآخر، لأن الحجاج يريد معاقبة القبعثري على جزيرة شتمه، وعلى جزيرة خروجه على حجمه، وكلا الجزيرتين جدير بأن يقيد القبعثري ليوضع في سجن الحجاج!


(١) حاشية الدسوقي ١/ ٤٨٠.

<<  <   >  >>