للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن القبعثري قد تلطف إلى الحجاج فسل سخيمته، بأن أبرز وعيده - بالحمل على القيد - في معرض الوعد - بالحمل على الفرس الأدهم، والفرس الأشهب، منبهاً له إلى أن من كان مثله في السلطان وبسطة اليد جدير بأن يجزل العطاء لا أن يقيد ويسجن.

والعلامة السبكي (١) يقول في هذا القسم: إنه قريب من تجاهل العارف، أو هو منه بزيادة إشارة إلى سفه رأي المخاطب، كما أنه - أيضاً - قريب من القول بالموجب، ولهذا خلط بعض العلماء بين أمثلة القول بالموجب، وأمثلة المغالطة.

هذا: وفي قول الحجاج تورية، لأنه أطلق لفظين يحمل كل منهما معنيين: أحدهما قريب، والآخر بعيد وأراد البعيد في كل منهما بقرينة الحالية، وهو نظير قول الشاعر:

حملناهم طرا على الدهم بعد ما ... خلعنا عليهم بالطعان ملابسا

بيد أن محل الشاهد هنا إنما هو قول القبعثري: "مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب، وقوله: "لأن يكون حديداً خير من أن يكون بليداً" لا قول الحجاج: لأحملنك على الأدهم".

وقد سمى ابن الأثير وتبعه العلوي صاحب الطراز التورية باسم "المغالطة المعنوية" وعرفها بأن تكون اللفظة الواحدة دالة على معنيين على جهة الاشتراك فيكونان مرادين بالنية دون اللفظ" (٢).

ولكننا لا نرى في إرادة المعنيين مغالطة، كما أننا لا نرى في إرادة معنى واحد مغالطة، ما دام المتكلم لم يحمل كلام المخاطب على خلاف مراده.


(١) شروح التلخيص (عروس الأفراح) ١/ ٤٨٠.
(٢) الطراز ٣/ ٦٣.

<<  <   >  >>