ولكن المغالطة - حقاً - إنما هي في هذا القسم من أسلوب الحكيم. وإن كانت مغالطة لفظية، لأن اللفظ هو الذي أعلن عليها لأن القبعثري - كما أسلفنا لك - قد استغل إفادة اللفظ لمعنيين، فاختار منهما ما يناسب حاله.
فقلت - كأني ما سمعت كلامها - ... هم الضيف جدي في قراهم وعجلي
فالشاعر يذكر أن زوجته أقبلت عليه تلزمه على كثرة قراه عندما رأت الضيفان يقبلون عليه ويتجهون إلى منزله، فحول شكواها من كثرة القرى إلى شكواها من قلته، مدعياً أنه لم يسمع حقيقة ما تقول، وقال لها: هؤلاء القادمون هم الضيوف، فأسرعي بإعداد القرى لهم، لينبهها بذلك إلى ما هو الجدير بها، وهو أن تقبل على ما يكسبها الحمد، وبقاء الذكر، لا أن تقبل على ما يوجب الذم، وجلب النقيصة.
ويمثلون القسم الثاني - وهو إجابة السائل بغير ما يتطلب - بقوله الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.
وذلك لأنهم سألوا عن بيان ما ينفقونه، فأجيبوا ببيان من ينفقون عليهم، لتنبيههم إلى ما هو أهم من سؤالهم هذا، وهو أن يسألوا عن أوجه الإنفاق حتى يقع في موقعه الصحيح، ليتم به النفع، ويتحقق الهدف من شرعيته.
وفيه - أيضاً - حث لهم على الإسراع بإخراج أموالهم للإنفاق،