وقد رأيت الشاعر قد أجرى الحديث على خطاب زوجته في الأبيات الخمسة الأولى؛ ولكنه التفت في البيت السادس فأجرى الحديث على طريق التكلم.
وذلك لأنه في الحالة الأولى كان يصف ما صنعه من مناداته لربة البيت، بأن تضم إليها رحال القوم وقربهم، ومشاورتها كيف يكرم القوم النازلين، والخطاب أنسب بهذه الحال.
ولكنه في الحالة الأخرى جعل يفتخر بما صنعه ليلة نزولهم ضيفاناً عليه والحديث عن النفس أنسب بحال الفخر.
الصورة الرابعة:
الالتفات من الخطاب إلى الغيبة: ويمثلون له بقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}(١)؛ ففي الآية الكريمة التفات من الخطاب في "كنتم" إلى الغيبة في "بهم"، وكان مقتضى الظاهر أن يقال:"وجرين بكم".
وذلك لأن المخاطبين هم الذين إذا أنجاهم الله من الغرق يبغون في الأرض بغير الحق، فناسب أن ينقل الحديث إلى الغيبة إعراضاً عنهم، وتشهيراً لهم، ودعوة لغيرهم أن يأخذوا من قصتهم عظة وعبرة: ولأنهم لما كانوا "في الفلك" كانوا في مقام الشهود والوجود، فناسب المقام خطابهم، فلما جرت بهم الريع، وذهبوا بعيداً عن مقام الخطاب ناسب حالهم طريق الغيبة.