للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قيمته البلاغية]

ذكر الزمخشري - في كشافه - أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن أسلوب لنشاط السامع، وأكثر إيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد.

ولكن ابن الأثير لم يرتض هذا القول، ورفض أن تكون مزية الالتفات قد اقتصرت على هذا المعنى ولهذا فإنه عقب على هذا الرأي بقوله: "وهذا قول فيه ما فيه؛ وما أعلم كيف ذهب على مثل الزمخشري - مع معرفته بفن الفصاحة والبلاغة؟ ! والذي عندي في ذلك: أن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، أو من الغيبة إلى الخطاب، لا يكون إلا لفائدة اقتضته، وتلك الفائدة أمر وراء الانتقال من أسلوب إلى أسلوب؛ غير أنها لا تحد ولا تضبط بضابط، ولكن يشار إلى مواضع منها ليقاس عليها".

ثم يبدأ بذكر نوع من الفائدة التي يعطيها الالتفات، وهي تعظيم شأن المخاطب فيقول: "فإنا قد (١) رأينا الانتقال من الغيبة إلى الخطاب قد استعمل لتعظيم شأن المخاطب، ثم يعدد مزايا كثيرة للالتفات على أن الزمخشري - رحمه الله - لم يجعل فائدة الالتفات مقتصرة على تطرية نشاط السامع وإيقاظه؛ بدليل أنه يذكر بإزاء كل التفات - في كشافه - فائدته التي دعت إليه. كقوله - في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} -: "فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب


(١) المثل السائر ١٦٨.

<<  <   >  >>