قد كشف عن وجه النظم من خلال نقده لمثل هذا البيت، بأنه لم يجر على قوانين النحو فاختل نظمه، واستنتج عبد الظاهر من هذا النقد بأن النظم إنما هو تتبع معاني النحو، وإليك بيتاً آخر مما هابه القاضي الجرجاني لسوء نظمه:
يقول معقباً على بيت أبي الطيب المتنبي:
وفاؤ كما كالربع أشجاه ص ١٠٢ ... بأن تسعدا؛ والدمع أشفاه ساجمه
"ومن يرى هذه الألفاظ الهائلة، والتعقيد المفرط، فيشك أن وراءها كنزاً من الحكمة، وأن في طيها الغنيمة الباردة، حتى إذا فتشها، وكشف عن سترها، وسهر ليالي متوالية فيها حصل على أن "وفاء كما ياعاذلي بأن تسعداني إذا درس شجاي، وكلما ازداد تدارساً ازددت له شجواً، كما أن الربع أشجاه دراسة"، فما هذا من المعاني التي يضيع لها حلاوة اللفظ، وبهاء الطبع، ورونق الاستهلال، ويشح عليها حتى يهلهل لأجلها النسج، ويفسد النظم، ويفصل بين الباء ومتعلقها بخبر الابتداء قبل تمامه، ويقدم، ويؤخر، ويعوص، ويعمى"(١).
[والسبب الثاني من أسباب التعقيد: معنوي]
ومعنى التعقيد المعنوي: ألا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد منه بسبب الخلل في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى المعنى الثاني المقصود، وذلك الخلل يكون بإيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة، مع خفاء القرائن الدلالة على المقصود، كما في قول العباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا