ثم بين كيف أن الرواية لا تساعد السكاكي على هذا التقسيم، وحاصلها:
أنه لم يتقدم أحد قالق بهذا التقسيم:
وأما أن الدراية لا تؤيده، فقد ذكر أن ذلك لوجوه، نذكر منها:
أولاً: أن الثمرة المستفادة من علم المعاني، وهي معرفة أحوال اللفظ التي بها يطابق مقتضى الحال - تستفاد - أيضاً - من علم البيان والبديع، لأنا لا نعبر باستعارة ولا كناية إلا إذا اقتضاها المقام، كما قال عبد القاهر - في الدلائل -: أنه إذا أريد إثبات الشيء على جهة الترجيح بين أن يكون وألا يكون عبرت عنه بالتشبيه: فقلت: "رأيت رجلاً كالأسد"، ولم يكن ذلك من حديث الوجوب في شيء، وإذا أريد إثباته على سبيل الوجوب، وجعلته كالأمر الذي نصب له دليل يقطع بوجوبه، عبرت بالاستعارة، وقلت رأيت أسداً، وذلك أنه إذا كان أسداً، فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة، وكالمستحيل أو الممتنع أن يعرى منها.
وحكم التمثيل حكم الاستعارة، فإنك إذا قلت:"أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى"، فأوجبت له الصورة التي يقطع فيها بالتحير والتردد كان أبلغ - لا محالة - من أن تجري على الظاهر فتقول، قد جعلت تتردد في أمرك، فأنت كمن يقول: أخرج أو لا أخرج، فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى.
وكذلك إذا أردت إثبات قضية دون حاجة إلى برهان، بأن كان السامع مقتنعاً بصحتها دون أن تزيده تأكيداً في إثباتها، عبرت بالحقيقة، فقلت: زيد كريم.
وإن رأيت أنه في شك من صحتها، أتيت بالقضية يصحبها دليلها، وعبرت عن ذلك المعنى بطريق الكناية، فقلت:"هوجم الرماد"، فأثبت القرى الكثير من وجه هو أبلغ وأشد في الإيجاب والإثبات.