للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يجتمعان وسرعة العقاب، فاستبعدوا منه الغفران والرحمة وكأنهم أنكروهما، فنفى الله إنكارهم هذا بإتيانه الخبر مؤكداً بإن واللام.

وهكذا تجد أن التأكيد يأتي على قدر الإنكار، أو التردد، وأن عدم التأكيد لا يكون إلا إذا ألقى الكلام إلى خالي الذهن من الخبر.

على أن الذي أوحى إلى البلاغيين بأضرب الخبر إنما هي قصة الفيلسوف الكندي، مع أبي العباس ص ١٣٠، فقد روي عن ابن الأنباري أنه قال: ركب الكندي المتفلسف إلى أبي العباس، وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشواً، فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ ؛ فقال: أجد العرب يقولون: عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله لقائم، فالألفاظ متكررة والمعنى واحد، فقال أبو العباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فقولهم: عبد الله قائم: إخبار عن قيامه، وقولهم: إن عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل، وقولهم: إن عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعاني، قال: فما أحار المتفلسف جواباً" (١).

ويسمى إخراج الكلام على الوجوه المذكورة - أعني الخلو من التأكيد لخالي الذهن، والتقوية بمؤكد استحساناً للتردد، ووجوب التأكيد للمنكر - إخراجاً للكلام على مقتضى الظاهر، أي الإتيان بالكلام على مقتضى ظاهر حال المخاطب.

وقد يأتي الكلام على خلاف ظاهر الحال، فلا يعتد المتكلم بواقع حال المخاطب، ولكنه يجري على أمور اعتبارية يلحظها هو في كلامه، فيجعلها مقامات، ويصوغ عبارته على مقتضاها كأن ينزل خالي الذهن


(١) ... دلائل الإعجاز ص ٦، ٢.

<<  <   >  >>