للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وصفهم الله تعالى بالجدل، واللدد في الخصومة؛ فقال - جل وعلا -: "ما ضربوه لك إلا جدلاً؛ بل هم قوم خصمون (١)، وقال - سبحانه -: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} (٢).

فإذا ما علمنا بأن البيان كان عند الجاهلين متى إمارات السيادة وشروطها، ودليلاً على اكتمال النباهة وأماراتها، علمنا بأنهم كانوا قد أوتوا حظاً من الإفصاح وقوة الإبانة لم تؤته أمة من الأمم.

فقد ذكر الجاحظ في كتاب "شرائع المروءة" أن العرب كانت تسود على أشياء .. وكان أهل المدينة لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال: السخاء، والنجدة، والصبر، والحلم، والتواضع، والبيان، وصار في الإسلام سبعاً (٣).

ولعل السر في تفوق الجاهليين على غيرهم في الفصاحة والبلاغة: أنهم كانوا أميين؟ لا يقرأون ولا يكتبون، ولم يكن لهم من وسيلة تحفظ أيامهم ووقائعهم، وأخلاقهم ومكارمهم وأحسابهم، وأنسابهم إلا الذاكرة التي تعتمد اللسان أساساً في نشرها وإذاعتها، وإظهار ما خفي منها.

ولهذا فإنهم قد اجتهدوا في أن تكون كلماتهم معبرة أصدق تعبير، وأوضحه، وأجعله، عما نجيش به نفوسهم، وما تعتمل به صدورهم، وما تختزنه ذاكرتهم.

فقد كان اللسان - إذن - أداتهم الوحيدة في نقل أفكارهم وأخبارهم. والتعبير عن أمالهم وآلامهم، والتغني بما تعتمل به صدورهم من شوق وحنين إلى مرابعهم التي كانوا غالباً ما يرحلون عنها طلباً للماء والمرعى. إذا ما أجدبت، وخلت من متطلبات الحياة.


(١) الزخرف: ٥٨٠.
(٢) مريم: ٩٧.
(٣) خزانة الأدب للبغدادي ج ٣ ص ٩٥.

<<  <   >  >>