للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفعل لغير مستحقه بل لأنه قد أثبت لما لا يستحق وردًا له إلى ما يستحق. وأنه ينظر من هذا إلى ذاك، وإثباته ما أثبت للفرع الذي ليس بمستحق، يتضمن الإثبات للأصل الذي هو المستحق" (١).

ولما كان أسلوب المجاز - في القرآن الكريم - مما أنكره قوم، وآمن به آخرون، فقد نبه عبد القاهر الجرجاني، إلى كثرة وروده في القرآن الكريم، وتبعه في ذلك جمهور البلاغيين.

ومن ذلك قول الله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} فإن إسناد زيادة الإيمان إلى الآيات مجاز، من إسناد الفعل إلى سببه، لأن الزيادة فعل الله تعالى والآيات سبب فيها.

ومنه قوله تعالى: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} فإن فيه إسناد التذبيح إلى فرعون، وهو سبب آمر والمذبح - في الحقيقة - هم أعوانه.

ومنه قوله تعالى: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} فإن فيه إسناد نزع اللباس عن آدم وحواه لإبليس مجازًا، وهو في الحقيقة لله عز وجل -، لأن إبليس سبب بوسوسته ومقاسمته أنه لهما من الفاصحين في أكل الشجرة، وأكل الشجرة سبب نزع اللباس، وسبب السبب سبب.

ومنه قوله تعالى: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} نسب جعل الولدان شيبًا - جميع أشيب - إلى اليوم مجازًا، لأن الضمير في يجعل له من إسناد الفعل إلى زمانه، والجعل في الحقيقة لله تعالى. أي: كيف تتقون يومًا يجعل الولدان شيبًا إن كفرتم؟ !

ومنه قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}، فإن فيه إسناد الإخراج إلى الأرض مجازًا، والإخراج - في الحقيقة - لله تعالى، من إسناد الفعل إلى مكانه.


(١) ... أسرار البلاغة ص ٣٠٩.

<<  <   >  >>