وقول الله تعالى:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ}.
فأنت ترى أن المعنى في كل ذلك: يوم ينفخ، ويصعق، ونحشر، ويفزع، وينادي، فجعل المتوقع الذي لابد من وقوعه، والذي لا محالة من مجيئه كالواقع الآن.
على أن ثمة نكتة أخرى لهذا التعبير الذي يصور لك ما سيحدث بصورة الحاصل: فالآيات الكريمة تصور لنا مشاهد يوم القيامة، وتنقلها لنا كأنها حاصلة الآن، ولا ريب أن نقل هذه المشاهد بهذه الصور يجعلنا نتخيل أننا قد بعثنا في يوم القيامة ووقفنا أمام الله تعالى للحساب فرأينا هذه الصور المروعة لقلوب الكافرين وذلك مما يلقي الروع في قلوب الجاحدين فيرجعون إلى الله تعالى، ويسكب الخشوع في قلوب المؤمنين فيزدادون به إيماناً، ولا يحيدون عن طريق الحق، وإن أمعن الشيطان في إغوائهم.
ومما هو من هذا القسم بسبيل: التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو اسم المفعول المنكتة السابقة، وهي: التنبيه على تحقق الوقوع.
لم يقل وإن الدين لبقع، والدين: هو الجزاء، ولم يقل: ذلك يوم يجمع له الناس، لأن كلا منهما واقع لا محالة، فكأنه قد وقع.
ومن التعبير عن الماضي بلفظ المستقبل: قول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} كان مقتضى الظاهر أن يقال: فأثارت، لأن الإثارة وقعت فعلاً، ولكنه عبر عنها بلفظ المضارع، فاصداً بذلك استحضار صورتها في الخيال وكأنها واثعة عياناً، لما فيها من الدلالة على القدرة الباهرة التي تثير السحاب مسخراً بين السماء والأرض.