للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له الشعر أو غير الشعر من معنى لطيف، أو حكمة، أو أدب، أو استعارة، أو تجنيس، أو غير ذلك مما لا يدخل في النظم، وتأمله فإذا رأيتك قد ارتحت واهتززت، واستحسنت، فانظر إلى حركات الأريحية مم كانت، وعند ماذا ظهرت فإنك ترى عياناً أن الذي قلت كما قلت.

اعمد إلى قول البحتري: ثم يورد ص ٨٠ أبيات البحتري التي سبق أن ذكرتها وبينت أن القاضي الجرجاني قد استحسنها واستجادها ولكنه لم يبين لنا سبب تلك الاستجادة ولا سر ذلك الاستحسان وأن عبد القاهر الجرجاني قد تكفل بذلك (١).

ولهذا كله: فإننا نعتقد أن نظرية النظم التي جعلها عبد القاهر الجرجاني أساساً لعلم المعاني - كما سُمي من بعده - والتي فتح مغاليقها وبين أقسامها، وذكر شواهدها، كانت مستوحاة من كلام القاضي الجرجاني في كتاب "الوساطة" وأن عبد القاهر الجرجاني قد أخذ عن أستاذه القاضي الجرجاني أساس فكرة للنظم، ثم تكفل هو بتفسيرها، وتوضيحها وذكر شواهدها.

ولعل عبد القاهر الجرجاني - وهو النحوي البارع الذكي - قد قرأ - أيضاً - ما دار بين أبي سعيد السيرافي وبين أبي بشر: متى بن يونس - في مجلس أبي الفتح بن جعفر بن الفرات - في مناظرة حادة بينهما حول جدوى علم النحو، وفيها يقول أبو سعيد السيرافي:

وإذا كانت الأغراض المعقولة والمعاني المدركة لا يتوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء والأفعال والحروف أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة .. معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير، وتوخي الصواب في ذلك، وتجنب الخطأ في ذلك، وإن زاغ عن التعنت فإنه لا يخلو


(١) ... دلائل الإعجاز ص ٦٠ - ٣.

<<  <   >  >>