للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثانيًا: أنَّه مِلكٌ قاصِرٌ؛ يعني: ليس شامِلًا، فأنا مثلًا أَمْلِك هذه الحَقيبَة، لكن أنت لا تَمْلِكُها، وأنت تَمْلِك هذا الكِتَابَ، وأنا لا أَمْلِكُه، إذن فهو مِلْكٌ قاصِرٌ لا يتعدَّى، أمَّا مِلْك الله عَزَّ وَجَلَّ فإنَّه مِلْكٌ مُطْلَقٌ يَتَصَرَّف في مُلْكه كما يشاءُ، وهو ملكٌ عامٌ شامِلٌ، والله عَزَّ وَجَلَّ يُنْزِل الأَمْراضَ ويُنْزِلُ الجُروحَ في مَخْلوقاتِهِ، وقد يبتلي اللهُ الإِنْسَانَ فتَظْهَرُ فيه جُرُوحٌ تُؤْلِمُه، وتُزْعِجُه وتُظْهِر الأَلَم في أَعْصابِهِ وفي عِظامِهِ، لو أنَّ أَحَدًا من المَخْلوقينَ أراد أن يَفْعَلَ ذلك لكان مَمْنوعًا ولا يجوز، لكنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ له أن يَفْعَلَ ما شاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].

إذن: الله هو الرَّبُّ، وهو الذي له المُلْك، وهذا المُلك أيضًا شامِلٌ للأَعْيانِ والذَّواتِ، وشامِلٌ للتَّصَرُّف فيها، ومنه التَّصَرُّفُ في الحُكْمِ، فالأَحْكامُ الشَّرْعِيَّةُ لا تُتَلَقَّى إلا مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ، ويَجِبُ أن نُؤْمِنَ ونُطَبِّقَ جَميعَ أحكامِ الله سواءٌ كان ذلك في العباداتِ أو في المُعامَلاتِ أو الأَحْوالِ، يَجِبُ أن نُطَبِّقَ الجميعَ.

فإن قال أَحَدٌ من النَّاس: العبادَةُ حَقُّ الله، فهي بيني وبَيْنَه ولا أَتَجاوَزُ ما شَرَعَ، والمعامَلَةُ حَقُّ الإِنْسَانِ، له أن يتجاوَزَ الشَّرْعَ فيها، فأنا لي أن أَعْدِلَ عن شَريعَةِ الله إلى حُكْمِ الطَّوَاغيتِ؟ فمثلًا العبادَةُ حَقُّ الله الخاصُّ، لا يجوز لي أن أَتَصَرَّف فيها، أمَّا البَيْعُ والشِّراءُ فَلِمَصْلَحَتي أنا، فأَيُّ نَوْعٍ من البَيْعِ والشِّراء يَتَّفِق مع المَصْلَحَة والكَسْب فلي أن أَفْعَلَه، سواء كان ربًا أو غِشًّا أو مَكْرًا ... إلخ، فهل يجوز ذلك أو لا يجوزُ؟ ! فهو يقول: المَسْجِدُ لله، والوَطَنُ للشَّعْب أو للجَميعِ.

فالجواب: أن نقول: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} ليس لأَحَدٍ مُلْكٌ، المُلْكُ لله عَزَّ وَجَلَّ يَتَصَرَّف في هذا المُلْك كما يشاء حِلًّا وحُرْمَة وإيجابًا، ولا أَحَد يتدَخَّل في ذلك، والذي يقول هذا ويَعْمَل بالشَّرْعِ في العِباداتِ ويُنْكِرُ الشَّرْعَ في المعاملاتِ

<<  <   >  >>