فيه أفضل، بل هو بحَسَبِ الحال، فتارةً يكون الإنفاقُ سرًّا أَفْضَلَ، وتارة يكون الإنفاقُ عَلَنًا أَفْضَلَ؛ حَسَب ما تَقْتَضيه الحالُ، بخلاف الصَّدَقَة فالأَصْلُ فيها السِّرُّ، قال الله تعالى:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢٧١]؛ لأنَّ الصَّدَقَة فيها نَوْعُ مِنَّةٍ على المُعْطَى، فربَّما يَنْكَسِرُ أمام النَّاسِ إذا أُعْلِنَت الصَّدَقَةُ له، فصار إخفاؤها أَفْضَل، وفي الحديث الصَّحِيح في الذين يُظِلُّهُم الله في ظِلِّه:"وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا"(١).
أمَّا الأشياء العامَّة والمُعْلَنَة كما لو أردنا أن نُنْفِقَ في مشروعٍ خَيْرِيٍّ عامٍّ لا يظهر فيه المِنَّة على شخصٍ معين فهنا قد يكون الإعلانُ فيه أَفْضَل، وكذلك لو أنَّ شَخْصًا جاء إلينا، وقال:(أرجو أن تَجْمَعوا لي من النَّاس) فهنا قد يكون الإعلانُ فيه أَفْضَل من أجل أن يَقْتَدِيَ بك غَيْرك، وهذا الرَّجُل الذي طَلَبَ منَّا أن نجمع له لا يُهِمُّه أن يعلم النَّاس بأنَّه يُتَصَدَّق عليه أو لا يُتَصَدَّق.
فالمُهِمُّ أن نقول: إنَّ السِّرَّ والإعلان في الإنفاق كُلُّه خَيْرٌ، لكنَّ الصَّدَقَة الأَفْضَل فيها السِّرُّ لِمَا في إظهارها من كَسْرِ قَلْبِ المعطَى، وأمَّا الأشياء العامَّة أو الصَّدَقَة على شَخْص مُعَيَّن هو الذي طلب منا أن نَجْمَع له مثلًا، فهذا قد يكون الإعلانُ فيه أفْضَلَ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: التَّنْبيهُ على الإخلاص؛ لِقَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَرْجُونَ تِجَارَةً} لا يريدون تجارةَّ تَبور وتَهْلِك؛ يعني: لا يريدون مثلًا سُمْعَة؛ لأنَّ السُّمْعَة والجاه بين النَّاس لا شَكَّ أنَّه كَسْبٌ للمَرْءِ، ويُعْتَبر تجارة، لكن هذه تِجارَةٌ هالِكَةٌ تزول بزوال
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، رقم (٦٢٩)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم (١٠٣١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.