للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتحَوَّل عما هو فيه؛ كما قال الله تعالى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: ١٠٨] بخلاف الجَنَّةِ فإنَّ الإِنْسَانَ لو كان في أَحْسَنِ ما يكون من البَساتينِ لتَمَنَّى أن يتَحَوَّل إلى ما هو أَحْسَنُ منه وأفضل منه، لكن في الآخِرَة كلُّ إِنْسَان من كل واحدٍ منهم يرى أنَّه في مكان إقامةٍ لا يريدُ أن يَتَحَوَّل عنه.

وهذا لا شَكَّ أنَّه مِنْ كمالِ النَّعيمِ؛ أنْ يسْتَقِرَّ الإِنْسَانُ وأن يرى أنَّه في أكْمَلِ ما يكون حتى لا تَتَشَوَّفَ نَفْسُه إلى نَعيمٍ أعلى فيَتَنَغَّص نعيمه؛ لأنَّه من المعلوم أنَّ الإِنْسَانَ إذا رأى أنَّه دون غَيْره وإن كان في مقامٍ أمينٍ وإن كان في مقامٍ مُنَعَّم فيه، لكن يَتَنَغَّصُ عليه ذلك لكونه يرى أن غَيْرَهُ أَفْضَلُ منه.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: {يَدْخُلُونَهَا} بالبناءِ للفاعِلِ وللمَفْعولِ، خَبَرُ، جناتٌ: المُبْتَدَأ]، وجُمْلَة يَدخلونها أو يُدْخَلُونَها خَبَرٌ.

[{يُحَلَّوْنَ} خبرٌ ثان] ولا تَصِحُّ أن تكون حالًا من الفاعل؛ وذلك لأنَّ تَحْلِيَتَهُم بذلك بعد الدُّخول، ولو قُلنا: إنَّهم يَدْخُلونَ حالَ كَوْنِهِم يُحَلَّوْنَ لَلِزَم من ذلك أن يكون التَّحْلِيَة حينَ الدُّخولِ أو قَبْلَها.

[{يُحَلَّوْنَ} خبر ثان] وهل يَجوزُ أن يَتَعَدَّد الخَبَرُ؟

الجواب: نعم، وهذا في القُرْآن كثيرٌ، قال الله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: ١٤ - ١٥] الخَبَرُ الآن أربعة: الغفور والوَدود وذو العرش والمَجيدُ؛ فتعَدُّد الأَخْبارِ جائزٌ في اللُّغَة العَرَبِيَّة.

{يُحَلَّوْنَ فِيهَا} أي في هذه الجَنَّاتِ {مِنْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بَعْضَ] فأفادنا أنَّ مِنْ هنا ليست بَيانِيَّة بل هي تَبْعِيضِيَّة، ولو قيل إنَّها بيانِيَّة لكان له وجهٌ جَيِّدٌ؛

<<  <   >  >>