للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّ التَّحْلِيَة لا تتعَيَّن في الأساوِرِ؛ إذ قد يُحَلَّى الإِنْسَان بالخِرْصان (١) مثلًا أو بالقلائِدِ أو ما أشبه ذلك، فجَعْلُها بَيَانِيَّة أولى مِن جعلها تَبْعِيضِيَّة؛ لأنَّك إذا قلْتَ: يُحَلَّوْنَ بَعْضَ أساوِرَ لم تَكُنِ التَّحْلِيَة بالأساوِرِ، وإنَّما يُحَلَّوْن بِبَعْضِها، إلا إذا قلت: نعم، أقولُ إنَّها على التَّبْعيضِيَّة؛ لأنَّ الأساور المذكورة هنا نوعانِ فقط: ذهب ولؤلؤ، مع أنَّ لهم حليةٌ أخرى وهي الفِضَّة؛ كما قال الله تعالى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإِنْسَان: ٢١]؛ فإذا جَعَلْتَها تَبْعيضِيَّة باعتبار أنَّ الأساوِرَ المذْكورَة من نَوْعَيْنِ وبَقِيَ نوعٌ ثالِثٌ لم يُذْكَرْ: فصار القَوْلُ بأنَّها للتَّبْعيضِ له وَجْهٌ.

وقد ذكرنا مرارًا كثيرةً أنَّه إذا احْتَمَلَ اللَّفْظ مَعْنَيَيْنِ لا يتنافيانِ فإنَّه يُحْمَلُ عليهما فيُمْكِنُ أن نَجْعَلَ {مِنْ} هنا مُشْتَرِكةً بين كونها بَيانِيَّة وبين كَوْنِها تَبْعِيضِيَّة؛ بين كونِها بيانِيَّة لأنَّ التَّحْلِيَة تكون من الأَساوِرِ وغيرِها، فتكون {مِنْ} هنا مبَيِّنَةً ما يُحَلَّوْن به؛ وتَبْعيضِيَّة؛ لأنَّه ذُكِرَ من الأساور هنا نوعان، وبقي نوعٌ ثالثٌ لم يُذْكَر.

وَقَوْله رَحِمَهُ اللَّهُ: [(أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤٍ) مُرَصَّعٍ بالذَّهَب]: (من ذهبٍ ولؤلؤٍ) أمَّا {مِنْ ذَهَبٍ} ف هي مَجْرورةٌ لا شَكَّ فيها؛ لأنَّها دَخَلَتْ عليها مِنْ، وأمَّا {وَلُؤْلُؤًا} فهي عندي منصوبة، ولكن قَوْلُهُ: [مُرَصَّعٍ] يدلُّ على أنَّها مَجْرورةٌ، كما هي القِراءَة الثانِيَةُ؛ ولهذا يَنْبَغي أن نُصَحِّح في المُصْحَفِ المُفَسَّر {وَلُؤْلُؤًا} ونَجْعَلُها بالجَرِّ بناءً على تَفْسير الجلالِ.

وما الدَّليل على أنَّها (ولؤلؤٍ)؟

الجواب: لأنَّه رَحِمَهُ اللهُ قال: [مُرَصَّعٍ] لو أنَّه أراد قِراءَةَ النَّصْب لقال مُرَصَّعًا.


(١) الحلقة الصغيرة من حُليِّ الأذن، واحدتها: خُرْصٌ، وجمعها أخْراص وخرصان. تاج العروس (١٧/ ٥٤٦)، مادة: (خرص).

<<  <   >  >>