{مِنْ} سَبَبِيَّة هنا؛ أي: بسبب فضله؛ أي تَفَضُّله علينا؛ لأنَّه لولا فَضْلُ الله عليهم ما وصلوا إلى هذا المَقامِ العَظيمِ، فكُلُّ ما في الإِنْسَان من خَيْرٍ ونِعْمَةٍ فمن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ كما قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}[النحل: ٥٣].
فإحلالُهُم دار المُقامَة هو من فَضْل الله تعالى، وهذا من تمَامِ شُكْرِهم لله حيث اعْتَرَفوا له بالفَضْل، بخلاف الذي إذا أصابَتْه النَّعْماء قال: هذا لي، أو: هذا من عندي، أو ما أشبه ذلك.
لا يمسنا فيها نَصَبٌ؛ أي: تَعَبٌ، ومَعْنى يَمَسُّنا؛ أي: يُصيبُنا؛ كما قال الله تعالى:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ}[التَّوْبَة: ٥٠] فالمَسُّ بمَعْنى الإصابة.
وَقَوْله: [{نَصَبٌ} تعب {لُغُوبٌ} إعياء] لأنَّ هناكَ تعبًا مباشِرًا ينالُ الإِنْسَانَ حين الفِعْلِ، وإعياءً يكونُ أثرًا للتَّعَب، فأنت إذا مارَسْتَ عملًا شاقًّا فإنَّك حين مُمارَسَتِه تَتْعَبُ، ثم بعد انتهائه تَعْيا؛ يعني: تَضْعُفُ وتَخْلُد إلى الرَّاحَة وإلى النَّوْم، فالجَنَّة ليس فيها {نَصَبٌ} يعني: تَعَبًا بَدَنِيًّا حين مُزاوَلَةِ الأَعْمالِ ولا {لُغُوبٌ} أي إعياءٌ وهو النَّاتِجُ عن التَّعَب.
قال رَحِمَهُ اللَّهُ:[إعياءٌ من التَّعَبِ لعدم التَّكْليفِ فيها] هذا تعليلٌ عليلٌ لأنَّ