للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التكليف حتى في الدُّنْيا غالِبُه ليس فيه تَعَبٌ، بل إن بعضه يكون راحةً للبَدَنِ وراحةً للقَلْب وتَنْشيطًا للبَدَنِ وصِحَّةً له، وليس هذا هو المقصودَ الأَوَّلَ في العبادات، لَكِنَّه يَحْصُلُ من مُمارَسَةِ العِبَادَة، يَحْصُل من ذلك النَّشاطُ والصِّحَّةُ كما هو موجود مثلًا في الصَّلاة، وموجود في الصِّيامِ، ومَوْجودٌ في الحَجِّ، فليس هناك تَعَبٌ في الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ.

بل نقول {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} هذا من باب الصِّفاتِ السَّلْبِيَّة المُتَضَمِّنَةِ لِكَمالِ ضِدِّها، فلا يَمَسُّهم فيها نَصَبٌ ولا يَمَسُّهُم فيها لغوب؛ لكمال نَعِيمِهِم وراحَتِهِم وأُنْسِهِم وفَرَحِهِم، وما أشبه ذلك.

يقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [لعدم التَّكْليفِ فيها، وذَكَرَ الثَّانِيَ التَّابعَ للأَوَّلِ للتَّصْريحِ بِنَفْيِهِ].

ذَكَرَ الثانِيَ - وهو اللُّغُوبُ - التَّابِعَ للأَوَّلِ - وهو التَّعَبُ - لأنَّ اللُّغُوبَ - كما قلنا قبل قليل - نتيجَةُ التَّعَبِ، فكأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أَجابَ عن سؤالٍ؛ كأنَّه قيل: إذا انتفى التَّعَبُ انْتَفَى اللُّغُوبُ الذي هو نَتِيجَتُه، فلماذا لم يُقْتَصَرْ على نَفْيِ التَّعَبِ، وقيل لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وإذا انتفى النَّصَبُ انتفى اللُّغُوبُ؟

أجاب على ذلك: بأنَّه ذُكِرَ من أجل التَّصْريحِ بِنَفْيِهِ.

هذا ما ذهب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، ولا شَكَّ أنَّه وَجْهٌ حَسَنٌ، ولكن ربَّما نقول: إنَّ الإِنْسَان أحيانًا يَجِدُ إعياءً وكَسَلًا ومَوْتَ قُوًى بدونِ عَمَلٍ وبدون تَعَبٍ، وهذا مُشاهَدٌ؛ وعليه فيكون نَفْي اللُّغُوبِ أمرًا ليس تَأْكيدًا، وإنَّما هو أَمْرٌ أَساسِيٌّ؛ أي: إنَّ الإِنْسَان قد يَجِدُ إعياءً أحيانًا وهو ما اشْتَغَلَ.

<<  <   >  >>