للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشباههما من الآياتِ، وقد جمع العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ بينهما بأنَّ الباءَ في قَوْله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} للسَّبَبِيَّةِ، وأنَّ الباء في قَوْلِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" (١) لِلْعِوَضِ؛ يعني أنَّ دُخولَ الإِنْسَانِ الجَنَّةَ ليس بعمله؛ إذ لو أنَّه أُريدَتِ المُعاوَضَةُ لَهَلَكَ الإِنْسَانُ؛ فلو أنَّ الإِنْسَان نُوقِشَ في عَمَلِهِ بالإضافَةِ إلى نِعْمَة الله عليه لكانَتْ نِعْمَةٌ واحِدَة تُقابِلُ كُلَّ العَمَل، بل لكان العَمَلُ نَفْسُهُ نِعْمَةً يَحْتاجُ إلى شُكْرٍ؛ لأنه من توفيقِ الله عَزَّ وَجَلَّ للعَبْدِ؛ كما قيل:

إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً ... عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ (٢)

وهذا حَقٌّ؛ كُلُّ عملٍ صَالِحٍ تُوَفَّقُ له فهو نِعْمَةٌ من الله عليك يَحْتاجُ إلى شُكْرٍ، فإنْ شَكَرتَهُ صار الشُّكْر نِعْمَةً يَحْتاجُ إلى شُكْرٍ آخَرَ، ثم لا تستطيعُ أن تُثْنِيَ على ربِّكَ بل تَقِفُ تقول: سُبْحَانَكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: كمالُ الرَّاحَةِ في الجَنَّة؛ لِقَوْله تعالى: {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} وَكَمالُ القُوَّةِ والنَّشاطِ؛ لأنَّ التَّعَبَ إنَّما يَلْحَقُ البَدَنَ الضَّعيفَ.

فإذا قال قائِلٌ: من أين عَرَفْنا الكَمالَ؟

فالجوابُ: مِنَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّقْصِ إثباتٌ لِكَمالِ ضِدِّهِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب نهي تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) البيت لمحمود بن الحسن الوراق، انظر: الفاضل للمبرد (ص ٩٥)، والصناعتين لأبي هلال العسكري (ص ٢٣٢).

<<  <   >  >>