للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل يُؤْخَذُ من هذه الآيَةِ الكَريمَةِ أنَّ الجَنَّة ليس فيها نَوْمٌ؟

الجواب: أَخْذُ نَفْيِ النَّوْمِ من هذه الآيَةِ فيه شَيْءٌ من الإِشْكالِ، لكن إذا أَرَدْنا أن نَتَوَسَّعَ في الإسْتِدْلال يُمْكِنُ أن نقول كما قُلْتَ: إنَّ النَّوْمَ إنَّما يُحْتاجُ إليه لراحةٍ مِنْ تَعَبٍ سابِقٍ وتَجْديدِ نَشاطٍ لِعَمَلٍ لاحِقٍ، وإذا كان الإِنْسَانُ في مَحَلِّ إقامَتِهِ لا يَمَسُّه النَّصَبُ ولا اللُّغُوبُ، فإنَّه لا يحتاج إلى النَّوْمُ.

يَرِدُ علينا: الأَكْلُ والشُّرْبُ؛ فالأَكْلُ والشُّرْبُ في الجَنَّة ثابِتٌ مع أنَّه يُحْتاجُ إليه في الدُّنْيا لحِاجَةِ البَدَنِ إلى النُّمُوِّ وإلى العَمَلِ، فيقال إنَّ أَكْلَهُمْ في الآخِرَة ليس للحاجَةِ، ولكن على سَبيلِ التَّلَذُّذ، ولهذا يأكلونَ ويَشْربونَ ولا يَبولونَ ولا يَتَغَوَّطونَ، إنَّما يخرج ذلك رَشْحًا - يعني عَرَقًا - أطْيَبَ مِن رِيحِ المِسْكِ (١)؛ ولهذا يأكلون دائمًا، ولكِنْ في الدُّنْيا إذا امْتَلَأَ الإناءُ وَقِّفْ فلا تَأْكُلْ أَكْثَرَ.

على كُلِّ حالٍ: لا شَكَّ أنَّهم لا ينامونَ مِنْ نصوصٍ أخرى، والعُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ يقولون: إنَّ النَّوْمَ أَخو الموتِ، وقد نفى الله عَنْهُمُ المَوْتَ فإذا انتفى المَوْتُ فإنَّ النَّوْمَ يَنْتَفي أيضًا، لأنَّه وفاةٌ صُغْرى.

ثم إنَّهم لو كانوا يَنامونَ لأَدَّى ذلك إلى تَعَطُّلِ نَعيمِهِم وَقْتَ نَوْمِهِم، والجَنَّةُ نَعيمُها دائمٌ مُسْتَمِرٌ، فالنَّوْمُ ليس مُتْعَةً إلا لِمَنْ يَحْتاجُه فقط، أمَّا من لا يحتاجه فليس فيه فائِدَةٌ، وله أَدِلَّةٌ صَريحَةٌ من السُّنَّة؛ أنَّ الرَّسُول أخبر أنَّهم لا يَنامونَ.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ أَهْل الجَنَّة لا يَتْعَبونَ في مُزاوَلَةِ الأَعْمالِ ولا يَلْحَقُهُم إعياءٌ بَعْدَ ذلكَ؛ لِقَوْله تعالى: {لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} ولا يَتْعَبونَ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا، رقم (٢٨٣٥)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>