للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} قَوْله تعالى: {لَيَكُونُنَّ} بِضَمِّ النُّونِ وهو مُشْكِلٌ: كيف ضُمَّتِ النون، والمَعْروف أنَّ الفِعْلَ المُضارِعَ مع نون التَّوْكيد يُبْنَى على الفَتْحِ؛ كما في قَوْلِه تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهَمْزَة: ٤] وهنا قال: {لَيَكُونُنَّ}؟

والجوابُ على ذلك: أنَّ نون التَّوْكيد لا يُبْنَى معها الفِعْلُ إلا إذا كانت مباشِرَةً له لَفْظًا وتَقْديرًا، والنون هنا مباشِرَةٌ للفِعْلِ لَفْظًا لَكِنَّها غَيْرُ مباشرة له تَقْديرًا؛ لأنَّ الفِعْلَ هنا للجماعَةِ وليس للمُفْرَدِ، وأصله (يكونُونَنَّ) فحُذِفَتِ النُّونُ لتَوالِي الأَمْثالِ؛ لأنَّهم يقولون إنَّ العرب يَكْرَهونَ أن تَجْتَمِعَ ثلاثُ كَلِماتٍ من نوعٍ واحِدٍ بَعْضها إلى بَعْضٍ فيحذفون أَوْلَاهَا بالحَذْفِ، وأولاها بالحَذْف على حَسَب قياسِهِم نونُ الرَّفْعِ؛ لأن حذفها معتادٌ، ولأن نون التَّوْكيد جاءت لمَعْنًى لو حُذِفَتْ لاخْتَلَّ ذلك المَعْنى؛ لأنَّها جاءت للتَّوْكيدِ فلا نَحْذِفُها، لكن نحذف نون الرَّفْع؛ لأن حَذْفَها معتادٌ؛ فحذفنا نونَ الرَّفْعِ، وهي النونُ الأولى من الثَّلاثَة؛ بَقِيَتِ الواو تَلي النونَ، والنون حرفٌ مُشَدَّدٌ في هذا التَّركيبِ والحَرْفُ المُشَدَّد أَوَّلُه ساكِنٌ فحذفنا الواو لالتقاءِ السَّاكنَيْنِ فصارَتْ {لَيَكُونُنَّ} حَذَفْنا الواوَ التي بين نونِ الفِعْل؛ لأنَّ النون في (يَكُونُنَّ) نون الفِعْل؛ ولهذا ما حذفناها لأنَّها أَصيلَةٌ، وحذفنا الواو لالتقاء الساكنينِ.

فإن قال قائل: عندنا الآنَ ثلاثُ نوناتٍ، فلماذا لا تحذفوا واحِدَةً منها؟

فالجواب: أولًا: أنَّ هذه النونات ليست مُتَّصِلَةً تَقْديرًا، يعني ليس بعضها متصلًا ببعضها الآخر من حيثُ التَّقْديرُ؛ لأنَّ كان قد فصل بينهما الواوُ التي حذفناها لالتقاءِ السَّاكِنَيْنِ.

ثانيًا: أنَّ النون التي بعد الواو في {لَيَكُونُنَّ} النون الموجودة الآن نون الفِعْل فهي من بِنْيَةِ الكَلِمَة ولا يُمْكِن أن تُحْذَفَ.

<<  <   >  >>