على كُلِّ حالٍ: يَجِبُ أن نَعْرِفَ الفَرْقَ بين (لَيَكُونَنْ) وبين (لَيَكُونُنَّ)؛ ففي القُرْآن (لَيَكُونَنْ) كقَوْله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}[يوسف: ٣٢].
ففرق بين لَيَكُونَنْ وبَيْنَ ليَكُونُنَّ:
فَقَوْله:(لَيَكُونَنْ) هذه للواحِدِ؛ ولهذا بُنِيَ الفِعْل معها على الفَتْحِ لاتصاله بنون التَّوْكيدِ لفظًا وتَقْديرًا، و (ليكونُنَّ) للجماعة؛ ولهذا لم يُبْنَ الفِعْل معها؛ لأن نون التَّوْكيدِ لم تُباشِرْه تَقْديرًا.
إذن: نون التَّوْكيد لا يُبْنى معها الفِعْل إلا إذا كانت مباشِرَةً له لفظًا وتَقْديرًا، وفي هذه الجُمْلَة:{لَيَكُونُنَّ} لم تباشِرْه تَقْديرًا، أمَّا لفظًا فقد باشَرَتْه، وإنَّما قلنا لم تُباشِرْه تَقْديرًا؛ لأَنَّه حُذِفَ منها واوُ الجماعة، فلم تباشِرْه تَقْديرًا.
وَقَوْله تعالى:{أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}: {أَهْدَى} هذه خَبَر (يكون) فهي منصوبَةٌ به بالفَتْحَة المُقَدَّرَة على الألف منعَ من ظهورها التَّعَذُّر، وهو اسْم تَفْضيلٍ.
وَقَوْله تعالى:{أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} فأَتَوْا بـ {إِحْدَى} الدَّالَّة على الإبهام، فلم يقولوا: أَهْدَى من النَّصارى ولا أَهْدى من اليهودِ، بل قالوا: أهدى من إِحْدى الأُمَم؛ لأنَّ الأَمْر الْتَبَسَ عليهم؛ حيث إنَّ اليهود يقولون لَيْسَتِ النَّصارى على شَيْء والنَّصارى يقولون لَيْسَتِ اليَهودُ على شَيْء، وهؤلاء المُشْرِكونُ - كُفَّار مَكَّة - أُمَّةٌ جاهِلِيَّة لا يَدْرونَ مَنِ الحَقُّ معه، فلم يقولوا: أهدى من النَّصارى ولا أهدى من