للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما زادهم إلا نُفُورًا واسْتِكْبارًا في الأَرْض وأن يَمْكُروا مَكْرَ العَمَلِ السَّيِّئِ.

والمَكْر هو الخديعة وهو التَّوَصُّل بالأَسْبَابِ الخَفِيَّة إلى الإيقاعِ بالخَصْم والعَدُوِّ، وأمَّا التَّوَصُّلُ بالأَسْبَابِ الظَّاهِرةِ فليس بِمَكْر.

فإن قلتَ: هذا المَعْنى لا يَنْطَبِقُ على عمل هؤلاء؛ لأنَّ هؤلاء يُظْهِرون عَمَلَهُمُ السَّيِّئَ؟

فالجواب: أنَّ هؤلاء تارةً يُظْهِرونَه، وتارةً يُخْفونه كما في اجتماعِهِم بدار النَّدوة ماذا يصنعون بالرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠] وإنَّما ذُكِرَ المَكْر دون الشَّيْء المُعْلَن الظَّاهِرِ؛ لأنَّه أَعْظَمُ قُبْحًا من الشَّيْءِ المُعْلَن الظَّاهِرِ فصار هؤلاء جَمَعوا إلى الكَذِبِ المَكْرَ والخِداعَ، والعياذُ بالله.

قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وهو الماكر ... ] إلخ؛ يعني أنَّ هؤلاء مَكَروا السُّوء وعَمِلُوا السُّوء بِصِفَةٍ عَلَنِيَّة وصِفَةٍ خَفِيَّة، وهل الماكر بِغَيْرِه يَنْجو؟

الجوابُ: إذا كان مكرًا سَيِّئًا فإنَّه لا ينجو، بل سَيحيقُ به مَكْرُهُ ويُهْلِكُه ويُدَمِّرُه؛ كما قال تعالى: {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٦] أمَّا إذا كان المَكْرُ بحَقٍّ فإنَّه لا يَحيقُ بأَهْلِه، بل يَحيقُ بِعَدُوِّهِ؛ ذلك لأنَّ المَكْرَ بحَقٍّ مَمْدوحٌ وليس بِمَذْمومٍ.

وقال: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وهنا لم يَقُلْ إلا بالماكِرِ بل قال إلا بأَهْلِهِ؛ إِشَارَة إلى بيانِ الإسْتِحْقاق لهذه الجَريمَةِ التي وقعت منه وأنَّه أَهْلٌ لأن يَحيقَ به مَكْرُهُ، فكُلُّ ماكِرٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَهْلٌ لأن يَحيقَ به مَكْره.

<<  <   >  >>