استحضارًا له في الذِّهْنِ؛ لِقَوْله تعالى:{فَتُثِيرُ سَحَابًا} فإنَّ تَصْويرَ الماضي بِصيغَة الحاضِرِ لا شَكَّ أنَّه يَحُثُّ الإِنْسَانَ إلى تَصَوُّرِه أكثَرَ من الشَّيْء الماضي.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ هذا السَّحابَ له شعورٌ؛ يعني: معناه يَعْدُو ويَجْري، وهذا يُمْكِنُ أن يُؤْخَذُ من قَوْله تعالى:{فَسُقْنَاهُ} أي: كما يُساقُ البَعيرُ، وعلى هذا جاء الحديثُ الصَّحيحُ في قِصَّةِ الرَّجُلِ الذي سَمِعَ صوتًا في سحابَةٍ:"اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ"(١)، فإنَّ تَوْجيهَ الأَمْرِ إليه يدُلُّ على أنَّه ذو شُعورٍ، ولا شَكَّ أنَّ جَميعَ الكائناتِ بالنِّسْبَةِ لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ أنَّها ذاتُ شعور، قال الله تعالى في الأَرْض والسَّماء:{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت: ١١].
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: صِحَّةُ وَصْفِ الأَرْض بالحياةِ والمَوْتِ مع أنَّها لَيْسَت من الحيواناتِ؛ لِقَوْله تعالى:{بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ}.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الرَّدُّ على أَهْل الكَلَام الذين يقولون: إنَّه لا يُوصَفُ بالحياةِ والمَوْت شَيْءٌ من الجَماداتِ؛ لأنَّه هنا أَثْبَتَ الحياةَ والمَوْتَ للأَرْض وهي من الجماداتِ، وقال تعالى في الأَصْنَام:{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النحل: ٢١].
(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب الصدقة في المساكين، رقم (٢٩٨٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.