للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مريم: ٨٢] فأين العِزَّةُ في هذه الأصْنامِ أو في هذه الآلِهَة التي اتَّخَذوها من دون الله؟

وردت العِزَّةُ في آياتٍ كثيرةٍ من القُرْآن، ورَدَتْ في آيَةٍ أخرى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المُنافِقون: ٨] ولا منافاة بينها وبين هذه الآيَة، فإنَّ العِزَّة لله أَصْلًا، ولرَسُولِهِ من الله، وللمُؤْمِنين من الله، وحينئذٍ فالعِزَّةُ كلُّها لله كما قال الله تعالى في سورة (آل عمران): {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٦] فكُلُّ من عنده عِزَّة فإنَّها ليست عِزَّةً ذاتِيَّةً له من ذاتِ نَفْسِه، ولكنها من الله عَزَّ وَجَلَّ، وبماذا تكون العِزَّة التي يَكْتَسِبُها الإِنْسَان وهي من الله؟

تكون بما علَّق الله العِزَّة عليه وهي الإيمانُ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المُنافِقون: ٨] فمتى أراد الإِنْسَانُ العِزَّة فليكن مُؤْمِنًا، وكُلُّ ما كان أكْثَرَ إيمانًا بالله وأقوى إيمانًا بالله كان أكثر عِزَّةً وأقوى عِزَّةً.

ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: "إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلَامِ فَلَنْ نَبْتَغِيَ العِزَّة بِغَيْرِهِ" (١) بسواه، أذَلَّنا الله، وصدق - رضي الله عنه -؛ فالعَرَبُ لما كانوا عربًا ليس عندهم إِسْلامٌ كانوا أذِلَّةً فُقَراءَ يَذْهبونَ إلى اليَمَنِ في الشِّتاء ليأتوا بالسِّلَعِ منه، ويَذْهبونَ إلى الشَّامِ في الصَّيْف ليأتوا بالسِّلَع منه، فهم فُقَرَاءُ يَأْكُلون من غَيْرهم، لكِنْ لما آمَنُوا صاروا هم الأَغْنِياء، وصارت كُنُوزُ كِسْرى وقَيْصَرَ تأتي إلى المدينة لتُنْفَقَ عليهم من المدينة.

إذن: نحن مهما أردنا العِزَّة لن نَسْتَعِزَّ إلا بالإِسْلام، لن يكون أعداءُ الله سببًا لعِزِّنا أبدًا، بل إنَّ تَوَلِّيَنا إياهم وموالاتِنا لهم سببٌ للذُّلِّ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٨/ ٣٢٠)، والحاكم في المستدرك (١/ ٦٢).

<<  <   >  >>