للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شَتْمُه ولا لَعْنُه.

وأمَّا الكَلِمُ الذي لا هذا ولا هذا، فهو أكْثَرُ كَلَامِ النَّاسِ.

والصِّنْفانِ جميعًا لا يُرْفعانِ إلى الله؛ أمَّا الأَوَّل فِلأنَّه خَبيثٌ، و"اللهُ تعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا" (١)، وأمَّا الثاني فِلأَنَّه لم يُقْصَدْ به الله عَزَّ وَجَلَّ حتى يُرْفَعَ إلى الله، وهذا الثاني - أعني: الذي ليس هذا ولا هذا - قد يكون طَيِّبًا لا لِذَاتِهِ ولكن لِغَيْرِه؛ لمِا يُوصِلُ إليه من المقاصِدِ الحَسَنَةِ، فإنَّ الإِنْسَانَ قد يَتَحَدَّثُ إلى شخص كَلَامًا ليس هو خَيْرًا في نفسه لكن يَقْصِد به التَّأْليفَ لهذا الرَّجُل وإدخالَ الأُنْسِ عليه والسُّرور، فيكون هذا الكَلَامُ الذي هو لَغْوٌ في نَفْسِه يكونُ مَحْمودًا لمِا قُصِد به، كما أنَّ هذا الكَلَامَ الذي هو لَغْوٌ في نفسه إذا قُصِدَ به الإساءَةُ إلى من لا تَحِلُّ الإساءَةُ إليه صار كَلَامًا خَبيثًا لِغَيْرِه أي: لمِا قُصِدَ به.

وعلى كلٍّ: فالكَلِمُ الطَّيِّبُ لِذاتِهِ أو لِغَيْرِه يَصْعَدُ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.

فإن قُلْتَ: كيف يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّب والكَلِمُ ليس جِرْمًا؟ بل أصواتٌ تُسْمَعُ بِحَركاتٍ مُعَيَّنَةٍ في الفم واللِّسان والشَّفَة؟

فالجوابُ: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادِرٌ على أن يَجْعَلَ المَعْقولَ شَيْئًا مَحْسوسًا؛ كما ثبت في الحديثِ الصَّحيحِ أنَّه "يُؤْتَى بِالمَوْتِ كهَيْئةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونِ وَيَنْظُرونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفوُنَ هَذَا، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (١٠١٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>