للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَوْله تعالى: {مِنْ مُعَمَّرٍ}: {مِنْ} هذه زائِدَةٌ داخِلَةٌ على نائب الفاعِلِ، فنقول في {مُعَمَّرٍ}: نائبُ فاعلٍ مرفوعٌ بضَمَّة مُقَدَّرَة على آخِرِه منع من ظهورها اشْتِغالُ المَحَلِّ بِحَرَكةِ حرف الجَرِّ الزَّائِدِ.

وَقَوْله تعالى: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} هنا يقول: {مِنْ عُمُرِهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أي: ذلك المُعَمَّر أو مُعَمَّر آخر] أمَّا كَوْنُ الضَّميرِ في قَوْله تعالى: {عُمُرِهِ} يعود على مُعَمَّرٍ آخَرَ فهذا لا إشكال فيه؛ لأنَّه يكون مُعَمَّرًا فيكون الثاني ناقِصًا، لكنَّ الإشكال إذا قلنا: إنَّ الضَّميرَ يعود على المُعَمَّر نَفْسِه فكيف يكون معمَّرًا وهو في الوقت نَفْسِه منقوصٌ من عمره؟

الجواب: هذا مَحَلُّ إشكالٍ فيما يظهر؛ قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} لِنَفْرِضْ أنَّه زَيْدٌ، {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} إذا قلنا: الضَّميرُ يعود على ذلك المُعَمَّر صار يعود على (زَيْد) فيكون زيدٌ مُعَمَّرًا مَنْقُوصًا من عُمُرِه، إذا قلنا: إنَّه عائِدٌ على مُعَمَّرٍ آخر {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أي: من عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ، لا يلزم الأوَّلُ؛ صار النَّقْصُ يعود على شَخْصٍ آخر، فعِنْدنا زيدٌ مُعَمَّرٌ، وعَمْرٌو مَنْقُوصٌ من عُمُره، فهذا لا إشكال فيه.

لكنَّ الإِشْكالَ الأوَّلَ: اختلف المُفَسِّرون رَحِمَهُم اللهُ في تَوْجِيهِه؛ فقال بعضهم: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} إنَّ النَّقْص هنا في مُقابِلِ الزِّيادَة؛ لأنَّ الإِنْسَان كلَّما تقدَّم يومًا في الدُّنْيا نَقَصَ عُمُره باعتبارِ آخِرِ عُمُره؛ مثلًا الذي له عَشْرُ سَنواتٍ فإذا صار له إحْدَى عَشْرَةَ، وقُدِّرَ أَنَّه سيموت في عِشرينَ سَنَة، فهذا نَقْصٌ، لأنَّه كُلَّما زاد من وَجْهٍ نَقَصَ من وجهٍ آخر.

فالمَعْنى: أنَّه يُكْتَبُ نَقْصُه كما تُكْتَبُ زيادَتُه؛ فيُكْتَب مثلًا: (فلانٌ بَلَغَ من العُمُر

<<  <   >  >>