للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأوَّلُ ما ينشأ الحَمْل في الرَّحِم معلومٌ عند الله، وإذا وَضَعَت فهو معلومٌ عند الله عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَوْل المُفَسّر رَحِمَهُ اللهُ: [حال] يعني أنَّ الجارَّ والمَجْرور في مَوْضِعِ نصبٍ على الحال، فمَعْنى {إِلَّا بِعِلْمِهِ} قال: إلا مَعْلومَةً له، ويُمْكِن أن نقول: لا حاجة إلى هذا التأويلِ، بل نقول: إنَّ الباءَ هنا للمُصاحَبَة والمقارَنَة؛ أي: لا يَحْصُل الحَمْل ولا الوَضْع إلا مقرونًا بعِلْم الله عَزَّ وَجَلَّ.

ونضيف إلى ذلك أيضًا أنَّه بعلمه وإرادته، لكنْ سَنَأْخُذ - إن شاء الله - من الفوائِدِ هنا أنَّ فيها دليلًا على أنَّ من أَثْبَتَ العِلْمَ لزم أن يُثْبِتَ الإِرادَة؛ ولهذا قال أَهْل السُّنَّة - الشافعي وغيره - بالنِّسْبَة للقَدَرِيَّة: "ناظِرُوهُم بالعِلْم، فإن أنكروه كَفَروا، وإن أَقَرُّوا به خُصِمُوا" (١) إن قالوا: (الله لا يَعْلمُ عن عباده) كفروا، وإن قالوا: يعلم خُصِمُوا؛ لأنَّه إذا عَلِمَ ذلك، فإما أن يَقَعَ الشَّيْءُ على خلاف مَعْلُومِهِ أو على وِفاقِهِ، فإن كان على وِفاقِهِ فبإرادَتِه، وإن كان على خِلافِهِ فقد أنكروا العِلْمَ؛ أي: إنَّهم بهذا يُنْكِرون العِلْمَ.

قَوْله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّر} أي: ما يُزادُ في عُمُرِ طَويلِ العُمُرِ {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أي: ذلك المُعَمَّر أو مُعَمَّر آخَر {إِلَّا فِي كِتَابٍ} هو اللَّوْحُ المَحْفوظُ {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} هَيِّنٌ].

{وَمَا} هذه نافِيَةٌ أيضًا بدليل قَوْله تعالى: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} ودليلٌ آخر؛ قَطْعُ الفِعْل عنها، قَوْله تعالى: {يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} مَعْنى التَّعْميرِ: الزِّيادَةُ في العُمُر؛ أي: لا يُزادُ في عُمُرِ أحدٍ ولا يُنْقَصُ من عُمُرِه إلا في كِتَاب.


(١) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص ٢٤٧).

<<  <   >  >>