للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأَصْناف، والأَصْنافُ أَعَمُّ من الذُّكورَةِ والأُنوثَةِ، فإنَّه يَشْمَلُ الشَّقِيَّ والسَّعيدَ، والأَسْوَدَ والأَبْيَضَ، والطَّويلَ والقَصيرَ، وغير ذلك، لكِنَّ الذي جعل المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يَحْمِلُ الكَلَامَ على الذُّكورَةِ والأُنُوثَةِ فقط قَوْله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}.

فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ بقُدْرَتِه وحِكْمَتِه جَعَلَ هذه الذرِّيَّة التي خرجت من هذا الرَّجُل الواحِد جعلها ذكورًا وإناثًا لبقاءِ النَّسْل؛ لأنَّه لا يُمْكِن بقاءُ النَّسْل إلا بهذا، وإن كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادرًا على أن يُبْقِيَ النَّسْل بدون هذا، فإنَّه يقال: إنَّ البَشَرِيَّة منها ما خُلِقَ بلا أمٍّ وأبٍ، ومنها ما خلق من أبٍ بلا أمٍّ، ومنها ما خُلِقَ من أمٍّ بلا أبٍ، ومنها ما خُلِقَ من أبوين؛ فالذي خُلِقَ بلا أمٍّ ولا أبٍ آدمُ، ومن أبٍ بلا أمٍّ حواءُ، ومن أمٍّ بلا أبٍ عيسى، وسائِرُ النَّاس بين أبوينِ من ذكرٍ وأنثى.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} حالٌ؛ أي: مَعْلومةً له].

(ما) هذه شَرْطِيَّة، هنا {مِنْ} حرف جَرٍّ زائِدٌ {أُنْثَى} فاعِلُ {تَحْمِلُ} مرفوعٌ بضَمَّة مُقَدَّرَة على آخره منع من ظهورها التَّعَذُّر، لكنه في الواقِع من حيث اللَّفْظُ مَجْرورٌ لفظًا.

قَوْله: [{أُنْثَى وَلَا تَضَعُ} أي: أنثى {إِلَّا بِعِلْمِهِ} حال؛ أي: معلومةً له] أيْ أُنْثَى تَحْمِل من بني آدم، أو مِنْه ومن غَيْره؟

الجواب: منه ومن غَيْره، ما تَحْمِلُ ولا تضع إلا بعلمه، وهذا كقَوْله تعالى: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} [الأنعام: ٥٩]، فالله عَزَّ وَجَلَّ يعلَمُ ما تحمل كل أنثى في ابتداء الحَمْل وتَطَوُّر الحمْل، ومآلِ الحملِ، وكل ما يَتَعَلَّقُ به؛ ولا تَضَعُ إلا بعلمه،

<<  <   >  >>