للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجديرُ بالذِّكْرِ أَنَّ التَّمَكُّنَ في عُلوم اللغةِ العربيةِ ليسَ مصادفَةً هنا في حياة الحافِظ، بل هو رُكْنٌ من منهج الأسلافِ كُلِّهم في التكوين العِلْمِيّ أَنْ يُبْتَنى مُنْذُ خُطواتِه الأولى على أُسُسٍ متينةٍ من علوم العربية، خِلافًا لِمَا يُظْهِرُه بعضُ المُتَعالِمينَ في هذا الزمن من الاستخفافِ بها، وقد حذَّر العلماءُ طالِبَ الحديثِ من التهاوُنِ باللغةِ والنحو تحذيرًا شديدًا، ومِنْ ذلك قولُهم: إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ على طالبِ العِلْمِ إذا لم يَعْرِفِ النحوَ أنْ يدخُلَ في جُملةِ قولِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيتَبوَّأْ مقعدَهُ من النارِ" (١).

المرحلة الثانية: اشتغالُه بالحديث الشريف وفُنونِه:

وتبدأُ مِنْ سَنَةِ ٧٩٦ هـ. وهي المرحلةُ التي سَمَا بها قَدْرُهُ وعَلَا نَجْمُه، وكأنَّ القَدَرَ هيَّأهُ لِتِلْكَ الفترةِ من تاريخ الحديثِ أَوْ هَيَّأَ تلك الظروفَ مِنْ أَجْلهِ، فقد وافَى بعبقريَّتهِ وذكائِه وسُرعةِ حِفْظِه مجموعةً مِنَ الشيوخ قَلَّ أنْ يَجْتمِعَ لأحدٍ مِثْلُهم، اكتملَ كلُّ واحدٍ منهم في فَنِّهِ حتى صارَ بَحْرًا في اختصاصِه، وإمامًا في عِلْمهِ الذي اشتَهَرَ به، فتَلَقَّى عنهم الحافِظُ واستوعَبَ ما لَدَيْهم، حتى اجتمع عِنْدَه ما تفرَّقَ في غَيْرِه، فصارَ فَرْدًا في أُمَّتِهِ، وأُمَّةً في أقرانه.

فكان مِنْ شيوخه:

أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ أحمدَ التنوخِيّ البَعْلَبَكِّيّ في القراءات وكان عاليَ السَّنَدِ فيها.

والحافِظُ الإمامُ زَيْنُ الدِّين عبدُ الرحيم العِراقِيّ، الإِمامُ في علوم الحديثِ ومُتَعَلَّقاتِه أميرُ المؤمنين في الحديث.

ونورُ الدِّين علي الهَيثمي وكان حافِظًا للمُتُون، وهو صاحب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد.


(١) علوم الحديث لابنِ الصلاح: ٢١٧، وإرشاد طلاب الحقائق للنووي: ١٥٧. والحديث متواتِر مُتَّفَقٌ على تواتره.

<<  <   >  >>