للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أو سوءِ حِفْظِه: وهي عبارةٌ عمَّنْ يكونُ غَلَطهُ أَقَلَّ مِنْ إصابَتِه.

فالقِسْمُ الأول: وهو الطَّعْنُ بِكَذِبِ الراوي في الحديث النبوي هو الموضوع (١).

والحُكْمُ عليه بالوَضْع إنما هو بطريق الظَّنِّ الغالِبِ لا بالقَطْعِ، إذْ قَدْ يَصْدُقُ الكَذُوبُ، لكنْ لِأهلِ العِلْم بالحديثِ مَلَكَةٌ قويةٌ يُميّزونَ بها ذلك، وإنما يقومُ بذلك منهم مَنْ يكونُ اطِّلاعُه تامًّا، وذِهْنُه ثاقِبًا، وفَهْمُه قويًّا، ومَعْرِفَتهُ بالقرائن الدَّالَّةِ على ذلك مُتَمَكِّنَةً.

وقد يُعْرَفُ الوَضْعُ بإقرارِ واضِعِه قال ابن دقيق العيد (٢): "لكنْ لا يُقْطَعُ بذلك، لِاحتمالِ أنْ يكونَ كَذَبَ في ذلك الإقرارِ" انتهى. وفَهِمَ منه بعضُهم (٣) أنه لا يُعمَلُ بذلك الإقرارِ أصلًا، وليسَ ذلك مُرادَه، وإنما نفى القَطْعَ بذلك، ولا يَلْزَمُ مِنْ نَفْي القَطْع نَفْيُ الحُكْمِ، لأنَّ الحُكْمَ يَقَعُ بالظَّنِّ الغالبِ وهو هنا كذلك، ولولا ذلك لَمَا سَاغَ قَتْلُ المُقِرِّ بالقَتْلِ ولا رَجْمُ المُعترِف بالزِّنا، لِاحتمالِ أنْ يكونا كاذِبَيْن فيما اعترفا به.

ومن القرائنِ التي يُدْرَكُ بها الوضعُ ما يُؤْخَذُ من حال الراوي، كما وَقع


(١) الحديث الموضوع: هو الحديث الكَذِب المُختَلَق على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(٢) محمد بن علي بن وهب القُشَيري، أبو الفتح، تقي الدين بن دقيق العيد، وُلد (٦٢٥)، أبوه شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن وهب، وأسرتهُ أسرة عِلْم وتَقَدُّم في صعيد مصر، نشأ على حالةٍ واحدةٍ من الصَّمْت والاشتغال بالعِلْم، والتحرُّز في أقواله وأفعاله.
تفقّه في المذهَبين المالكي والشافعي، ودرس باقي المذاهب، وتبحَّر في الحديث والتفسير وعلوم الإسلام، واشتَهَرَ بالعِلْم والفِقْه فوُلِّي مَنْصِبَ القضاء، فقام بحقِّه خيرَ قيام، واعتزَلَه مِرارًا وهو يُعَادُ إليه. (ت ٧٠٢). من كتبه: مختصر علوم الحديث: الاقتراح (ط)، الإلمام في أحاديث الأحكام، الإمام في شرح الإلمام لم يَكْمُلْ، قالوا: لو كَمَلَ لم يكُنْ في الإسلام مِثْلُه. وإحكام الأحكام بشرح عُمدَة الأحكام شاهدٌ بعلمه وفضله (ط).
(٣) كأنه يريد الذهبي وكلامه في الموقظة: ٣٧. فتأمل.

<<  <   >  >>