للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاصلٌ لمن ليس له أهليةُ النظر كالعاميّ، إذ النظرُ: ترتيبُ أمورٍ معلومةٍ أو مظنونة يُتوصَّلُ بها إلى علوم أو ظنون، وليس في العاميّ أهليةُ ذلك، فلو كان نظريًّا لَما حَصَل لهم.

ولاحَ بهذا التقرير الفرقُ بين العِلْمِ الضروري والعِلْمِ النظري، إذ الضروريُّ يفيدُ العلمَ بلا استدلالٍ، والنظريُّ يفيده لكن مع الاستدلال على الإفادة، وأنَّ الضروريَّ يحصلُ لكل سامع، والنظريَّ لا يحصل إلا لمَنْ فيه أهليةُ النظر.

وإنما أُبْهِمَتْ شروطُ المتواتِر في الأصل (١) لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد، إذْ عِلْمُ الإسنادِ يُبحَثُ فيه عن صحة الحديث أو ضعفِه لِيُعْمَلَ به أو يُتْركَ من حيثُ صفاتُ الرجال وصيغ الأداء (٢)، والمتواترُ لا يُبْحَثُ عن رجاله بل يجب العملُ به من غير بحث.

فائدة:

ذكر ابن الصلاح أنّ مثالَ المتواتر على التفسير المتقدِّم يَعِزُّ وجودُه، إلا أنْ يُدَّعَى ذلك في حديث "مَنْ كَذَبَ عليَّ". وما ادّعاهُ من العِزَّةِ ممنوع، وكذا ما ادّعاه غيرُه من العَدَم، لأن ذلك نشأ عن قِلّة اطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضيةِ لإبعادِ العادةِ أن يَتوَاطؤوا على كذب أو يحصلَ منهم اتفاقًا.

ومِنْ أحسنِ ما يُقَرَّرُ به كونُ المتواتر موجودًا وجودَ كَثْرة في الأحاديث أنَّ الكُتُبَ المشهورةَ المُتَداوَلةَ بأيدي أهل العِلْم شرقًا وغربًا، المقطوعَ


= لذلك "لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر" أي البحث في الأدلةِ واستخراجِ النتائجِ منها.
والعِلْمُ الضروري: هو الذي يحصلُ دونَ حاجةٍ لذلك كما سيأتي. لذلك قالوا في المتواتر: ليس من مباحثِ عِلْمِ الإسناد، بل هو من مباحثِ أصولِ الفقه.
(١) أي متن نخبة الفكر.
(٢) مثل قول الراوي: حدَّثنَا فلانٌ أو أخبرنا.

<<  <   >  >>