للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنْ عُرِفَ من عادة التابعىّ أنه لا يُرسِلُ إلا عن ثقةٍ فذهب جمهورُ المُحَدِّثين إلى التوقُّف لبقاء الاحتمال وهو أحَدُ قَوْلَيْ أحمد، وثانيهما وهو قولُ المالكيِّين والكوفيين يُقْبَلُ مُطلَقًا (١)، وقال الشافعي: يُقْبَلُ إنِ اعْتَضَد بمجيئه من وجهٍ آخر يُباينُ الطريقَ الأولى، مُسْنَدًا أو مُرْسَلًا، لِيَرْجَحَ احتمالُ كونِ المحذوف ثقةً في نفس الأمر. ونقل أبو بكر الرازي (٢) من الحنفيةِ وأبو الوليد (٣) الباجي من المالكية: أنَّ الراويَ إذا كان يُرْسِلُ عن الثقات وغيرِهم لا يُقْبَلُ مُرْسَلُه اتفاقًا.

والقسم الثالث من أقسام السَّقَطِ (٤) من الإسناد:

إنْ كان باثنين فصاعدًا مع التوالي فهو المُعْضَل (٥).


(١) أي سَواءٌ عرفناه لا يرسِلُ إلا عن ثقة أم لم نعرف ذلك، واستدلوا بأن المسألة في مُرسَل الثقة، ولولا أن الحديث ثابت ما رفعه إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(٢) أبو بكر الرازي هو أحمد بن على، الشهير بالجَصَّاص، وُلد (٣٠٥) وكان إمام الحنفية في وقته، وانتهت الرحلةُ إليه في بغداد، كان في الغاية من الزهد والورع، طُلِبَ للقضاء مرتين، فامتنع وأصر على الامتناع، له أثر كبير في الاستدلال لمذهب الحنفية. (ت ٣٧٠). له مؤلفات كثيرة من أهمها: أحكام القرآن (ط).
(٣) سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي المذهب، ولد (٤٠٣) ورحل إلى المشرق، وتقشف في سبيل العلم، كان شيخ الأندلس، جرت له مناظرات كثيرة مع ابن حزم حين كان ابن حزم في عنفوان شهرته وقوته، ذهب إليه أبو الوليد وناظَرَه وأبطل كلامَه، ورَجَعَ الناسُ عن مذهب الظاهر بمناظراته (ت ٤٧٤)، من كتبه: شرح الموطأ (ط) وغيره كثير.
(٤) وهو الذي يكون السَّقَطُ فيه في أثناء السند. بخلاف القِسْمين السابقين. فإن الأول منهما وهو المُعَلَّق: وقع السقط في أوله من جهتنا، والثاني وهو المُرسَل: وقع السقط في آخره.
(٥) المُعْضَل: ما سقط مِن إسناده اثنان في موضع واحد.
مثاله: ما رواه مالك عن معاذ بن جبل قال: "آخِرُ ما أوصاني به رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين وضعت رِجلي في الغَرْزِ أن قال: حَسِّنْ خُلُقَكَ للناس يا معاذ بن جبل". وبين مالك ومعاذ واسطتان أو أكثر. وانظر الموطأ بشرحه تنوير الحوالك: ٢: ٢٠٩. والتقصي=

<<  <   >  >>