للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يَقَعُ فيها أيْ في أخبارِ الآحادِ المنقسمةِ إلى: مشهورٍ، وعزيزٍ، وغريبٍ ما يفيد العِلْمَ النظريَّ بالقرائنِ على المُختار، خِلافًا لِمَنْ أبى ذلك. والخلافُ في التحقيقِ لفظيٌّ، لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إطلاقَ العِلْمِ قَيّدَهُ بكونِهِ نظريًّا، وهو الحاصلُ عنِ الاستدلالِ، ومَنْ أبى الإطلاقَ خصَّ لفظَ العِلْمِ بالمتواتِر، وما عَدَاهُ عندَه ظَنِّيٌّ، لكنه لا ينفي أنَّ ما احْتَفَّ بالقرائنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عنها.

والخبر المُحْتَفُّ بالقرائنِ (١) أنواعٌ:

منها: ما أخرجه الشيخانِ في صحيحيهما ممّا لم يبلغِ التواتُرَ، فإنّه احْتَفَّتْ به قرائنُ، منها:

- جلالتُهما في هذا الشأن.

- وتقدُّمُهما في تمييز الصحيح على غيرهما.

- وتَلَقِّي العلماءِ لكتابيهما بالقبول، وهذا التَّلَقِّي وحدَهُ أقوى في إفادة العِلْمِ من مُجرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصِرَةِ عن التواتُرِ. إلَّا أنّ هذا يَختصُّ بما لم ينتقدْهُ أحد من الحُفَّاظ ممّا في الكِتَابَين (٢)، وبما لم يقَعِ التخالُف


(١) المُحْتَفّ بالقرائن: أي الذي وُجدت له صفاتٌ أو أحوال تُقَوِّيه، وتنفي احتمالَ الخطأ والكذب عنه.
(٢) وعِدَّةُ ذلك مئتانِ وعشرةُ أحاديثَ، اشتركا في اثنينِ وثلاثينَ، واختَصَّ البخاري بثمانيةٍ وسبعين ومسلمٌ بمئة.
قال الحافظ ابن حجر في هَدْي الساري مقدمة فتح الباري: ٣٤٥: "الجوابُ عنه على سبيل الإجمال أن نقولَ: لا ريبَ في تقديم البخاري ثُمّ مسلم على أهل عصرهما ومَنْ بعدَه مِنْ أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح، والمعلّل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المَدِيني كان أَعْلَمَ أقرانِهِ بعِلَلِ الحديث، وعنه أَخَذَ البخاري ذلك، حتى كان يقولُ: ما استصغرتُ نفسي عند أحدٍ إلا عند علي بن المَدِيني ومع ذلك فكان علي بن المَدِيني إذا بلغه ذاك عن البخاري يقول: دَعُوا قولَه فإنه ما رأى مِثْلَ نفسه، وكان محمد بن يحيى الذُّهلي أَعْلَمَ أهل عصره بعلل حديث الزُّهري، وقد استفاد ذلك منه الشيخانِ جميعًا. =

<<  <   >  >>