للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين مدلولَيْه مما وقعَ في الكِتَابَيْن حيثُ لا ترجيحَ (١)، لِاستحالةِ أنْ يُفِيدَ المتناقضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من غيرِ ترجيحٍ لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماعُ حاصِلٌ على تسليم صِحَّتِهِ.

فإنْ قيل: "إنّما اتفقوا على وجوبِ العملِ به لا على صِحَّتِه"، مَنَعْنَاهُ، وسنَدُ المنعِ (٢) أنهم مُتَّفِقُونَ على وجوب العملِ بكل ما صحَّ ولو لم يُخْرِجْه الشيخانِ، فلم يَبْقَ لِلصحيحينِ في هذا مزيةٌ، والإجماعُ حاصِلٌ على أنَّ لهما مزيةً فيما يَرجعُ إلى نَفْسِ الصِّحَّةِ وممَّنْ صرَّحَ بإفادةِ ما خَرّجه الشيخانِ العِلْمَ النظري: الأستاذُ أبو إسحاقَ الإسفرائيني (٣)، ومن أئمة الحديث أبو عبد الله الحُمَيْدي (٤) وأبو الفضل بن طاهر (٥) وغيرُهُما. ويَحْتَمِل أنْ يُقالَ: المزيَّةُ المذكورةُ كونُ أحاديثهما أصحُّ الصحيح.


= وروى الفِرَبْرِي عن البخاري قال: ما أدخلتُ في الصحيح حديثًا إلّا بَعْدَ أنِ استخرتُ اللهَ تعالى وتيقَّنْتُ صِحتَه، وقال مكي بن عَبْدَانَ: سمعتُ مسلم بن الحجاج يقول: عرضتُ كتابي هذا على أبي زُرعةَ الرازي فكل ما أشار أنَّ له عِلةً تركْتُه.
فإذا عُرِفَ ذلك وتَقَرَّرَ أنهما لا يُخرِجان من الحديث إلا ما لا عِلَّةَ له، أو له عِلَّةٌ غيرُ مؤثرةٍ عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما، يكون قولُه معارضًا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفعُ الاعتراضُ من حيثُ الجملة".
(١) التَّخَالُفُ: أنْ يَحتمِلَ الحديثُ معنيين فأكثر، ولا يترجَّحَ شيء من ذلك. وفي بعض النسخ "التجاذب"، والمعنى واحدٌ.
(٢) "منعناهُ": أي رفضْنَا قبوله، و"سند المنع": أي دليل هذا الرفض. . .
(٣) إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الإسفرائيني، فقيه شافعي، أصولي تبحَّرَ في علم الكلام وفي العلوم، بلغ رتبة الاجتهاد، (ت ٤١٨). له كتب منها: الرسالة في أصول الفقه.
(٤) محمد بن فَتُّوح الأزدي، ولد قبل (٤٢٠) وأكثر الترحال، كان قليلَ المثال في نزاهته وعِفَّته وورعه، ظاهريًّا، إمامًا في الحديث وعلله (ت ٤٨٨).
له: الجمع بين الصحيحين (ط)، وتاريخ الأندلس، وجمل تاريخ الإسلام.
(٥) محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، أبو الفضل، عُرِفَ في وقته بابن القيسراني، ولد (٤٤٨). مُحَدِّث حافظ رحَّالة صُوفيّ مُتكلِّم، انتُقِدَتْ عليه مسائلُ تساهل فيها. (ت ٥٠٧).
له: شروط الأئمة الستة (ط)، وكتب أخرى.

<<  <   >  >>