والحديثُ المُعَنعنُ: هو الحديث الذي في سَنَدِه "عن فلان". ومِثْلُهُ في الحُكْمِ: المُؤَنَّنُ. وهو الذي في سَنَدِه: "أنّ فلانًا .. ". (٢) أي مع إمكانِ لِقاءِ الراوي لِمَنْ روى عنه بصيغة "عَنْ"، مِثْل أنْ نعلمَ من تاريخِهما أنَّ كُلًّا منهما أقامَ في بَلْدَةِ كذا. وإلّا فلا تكفي المعاصَرَةُ أي مُجَرَّدُ وُجودِهما في عصرٍ واحد كَيْفما كان. والحاصِلُ في تحقيقِ المسألةِ أنَّ قولَ الراوي "عن فلان" يُحمَلُ على السَّماعِ، أي يُعتبَرُ سماعًا بشرطين: الأول: ألّا يكونَ الراوي الذي قال عَنْ فُلانٍ مُدَلِّسا. الثاني: لِقاؤُه لِمَنْ روى عنه. لكن كيفَ يَثْبُتُ اللِّقَاءُ؟ اتفقوا على إِثباتِ اللِّقاءِ بينَهما بتصريحِ الراوي أنه سَمِعَ عمَّن رَوى عنه، أو بتنصيصِ عالمٍ من المُحَدِّثين بذلك. واختلفوا في إثباتِ اللِّقاء واتصالِ السَّنَدِ بالمُعاصَرَةِ مع إمكانِ اللِّقاء بشرطِ سلامةِ الراوي من التَّدليس، فلَمْ يَقْبَلْها عليُّ بن المَدِيني وطائفةٌ من المُحَدِّثين. وقَبلهَا الإمامُ مُسلِمٌ، واحتجَّ لمذهبهِ بقوةٍ في مُقدِّمة صحيحِه وأَنكرَ على مَنْ خَالفَهُ في ذلك. وقد رَجَّحَ المُصنِّفُ وأَكثرُ أهلِ المُصطَلحِ الرأيَ الأوّلَ، واستدلَّ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ هنا بقوله: "لِيَحْصُلَ الأمنُ من باقي مُعَنْعَنِه عن كَوْنِه مِنَ المُرسَلِ الخَفيّ". لكنَّ هذا يدُلُّ على قوةِ الطريقةِ الأولى في إثباتِ اللِّقاءِ، لِمَا فيها مِنْ زِيادة الإثباتِ، ولا يُبْطِلُ الطريقةَ الثانيةَ،=