للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قد يَتخلَّفُ ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب. كذا جَمَعَ بينهما ابن الصلاحِ تَبَعًا لغيره.

والأَوْلى في الجمع أنْ يُقالَ: إنَّ نَفْيَه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعدوى باقٍ على عُمومه، وقد صحَّ قولهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يُعْدِي شيءٌ شَيْئًا" (١)، وقولُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن عارضه بأنَّ البعيرَ الأجربَ يكونُ في الإبل الصحيحة فيخالِطُها فتَجْرَبُ، حيث رَدَّ عليه بقوله: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوّلَ؟! ". يعني أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى ابتدأَ ذلك في الثاني كما ابتدأَهُ في الأول.

وأمّا الأمرُ بالفِرَارِ من المَجْذوم فمِنْ باب سَدِّ الذرائع، لئلّا يتفقَ للشخص الذي خالطه شيءٌ من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداءً لا بالعدوى المَنْفِيَّة، فيَظُنَّ أنَّ ذلك بسبب مُخالطَتِه فيعتقدَ صِحةَ العَدْوى فيقعَ في الحَرَج، فأمر بتجنُّبِه حَسْمًا للمادة. واللهُ أعلم (٢).

وقد صنَّفَ في هذا النوعِ الشافعيُّ كتابَ "اختلاف الحديث"، لكنه لم يَقْصِدِ استيعابَه، وصنَّفَ فيه بعدَهُ ابنُ قُتَيْبَةَ (٣) والطَّحَاوِيُّ (٤) وَغَيْرُهما.

وإنْ لم يُمكنِ الجمعُ فلا يخلو إمّا أن يُعْرَفَ التاريخُ أَوْ لا، فإنْ عُرِفَ وثَبَتَ المُتأخِّرُ به أو بأصْرَحَ منه فهو الناسِخُ والآخرُ المنسوخُ.


(١) حديث: "لا يُعْدِي شيء" الترمذي: ٤: ٤٥٠ - ٤٥١ وسكت عليه، وفيه مبهم، انظر ص ١٠٠.
(٢) جوابُ ابن الصلاح أقوى، وهو أنسب لتفسير الأمر باجتناب المخالَطة بين المريض والصحيح. وقيل: "لا عدوى" خبر أريد به النهي، أي لا يُعْدِ أحدٌ غيره.
(٣) عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد، من أئمة اللغة والأدب، ومن أهل السنة، ولد (٢١٣)، (ت ٢٧٦). كان لسانَ أهل السنة وخطيبهم في الرد على أهل البدع كثيرَ التصانيف. منها: الشعر والشعراء، مشكل القرآن، غريب القرآن، تأويل مُختَلِف الحديث وله فيه ردودٌ غيرُ مقبولةٍ أحيانًا. وكلُّها مطبوعة.
(٤) أحمد بن محمد بن سَلَامَة، الأَزْدِي الطَّحَاوِيّ، أبو جعفر، وُلد (٢٣٩) وقيل (٢٢٩) إمام في الفقه الحنفي، من المُحَدِّثين الحُفّاظ الأثبات الجهابذة، بَرَعَ وفَاقَ أهلَ زمانه (ت ٣٢١) له مصنفاتٌ قيمة منها: أحكام القرآن، ومعاني الآثار (ط)، ومشكل الآثار (ط).

<<  <   >  >>