للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا من المُدَلِّس فإنها ليسَتْ محمولةً على السَّماعِ.

وقيل: يُشتَرَطُ في حَمْلِ عَنْعَنَةِ المُعاصِرِ على السَّماعِ ثُبوتُ لِقَائِهما أي الشيخِ والراوي عنه ولو مرَّةً واحدةً؛ لِيحصلَ الأمنُ من باقي مُعَنْعَنِهِ عن كَوْنِه من المُرْسَلِ الخَفِىِّ، وهو المُختارُ تَبَعًا لِعليّ بن المَدِيني والبُخاريِّ وغيرِهما مِنَ النُّقَّادِ (١).

وأَطلَقُوا المُشافَهةَ في الإجازَةِ المُتَلَفَّظِ بها تجوُّزًا، وكذا المُكَاتَبةَ في الإجازَةِ المكتوبِ بها، وهو موجودٌ في عبارةِ كثيرٍ من المُتأخِّرين، بخلافِ المُتقدِّمين فإنَّهم إنَّما يُطْلِقُونها فيما كتَبَ به الشيخُ من الحديثِ إلى الطالبِ سَوَاءٌ أذِنَ له في رِوَايتهِ أَمْ لا، لا فيما إذا كَتَبَ إليه بالإجازَةِ فَقَطْ.

واشترطوا في صِحَّةِ الرِّوايةِ بالمُنَاوَلَةِ اقتِرانَها بالإذْنِ بالرِّواية. وهي -إذا حَصَلَ هذا الشرطُ- أَرْفَعُ أنواعِ الإجازة، لِمَا فيها مِنَ التعيينِ والتشخيص.

وصُورَتُها أنْ يَدْفَعَ الشيخُ أصلَه أو ما قامَ مقامَه للطالبِ، أو يُحْضِرَ


= والدليلُ على ذلك أنَّ المسألةَ في الراوي غير المُدلِّس، ومِثلُه لا يَروي عمَّنْ عاصَره ولم يَلْقَه بصيغةِ عَنْ وإِلّا كان مُدَلِّسًا والمسألةُ في غير المُدَلِّس. ويدلُّ على صِحَّةِ مذهب مُسلِمٍ أمورٌ أُخرى منها:
١ - انَعقادُ الإجماعِ على صِحَّةِ أحاديثِ مُسْلِمٍ.
٢ - جريانُ العملِ على الاحتجاج بأحاديثِ مُسلِمٍ دونَ بحثٍ في مُعَنْعَنٍ منها أو غيرِ مُعَنْعَن. وقد أَوْهَمَ بعضُ العصريِّين الأفاضلُ في هذه المسألةِ أنَّ مُسلِمًا لا يشترطُ اللِّقاءَ لاتِّصالِ السَّنَدِ بل يكتفي بالمُعاصَرة، وهذا خطأٌ بَلْ هو يَشتَرِطُ اللِّقاءَ وسَمَاعَ الراوي ممَّنْ حَدَّث عنه بِعَنْ، والدليلُ القاطِعُ على ذلك أنه لا خِلافَ بينَ الجمهورِ ومنهم مُسلِمٌ أنَّ الحديثَ المُرسَلَ لا يُحتَجُّ به. وقد صرَّحَ مُسلِمٌ بذلك في مُقَدِّمةِ صحيحِه بعبارةٍ صريحةٍ جازمةٍ، إنما الخلافُ بينَ المُحَدِّثينَ في العَنْعَنَةِ في كيفيةِ ثُبوتِ اللِّقاءِ بينَ الراوي بِعَنْ وبينَ الشيخِ المَرْوِيِّ عنه.
(١) في نسبةِ هذا الرأي لِلبُخاري نظرٌ شديدٌ، وذلك لأنَّ مسلمًا معروفٌ بغايةِ الإعظامِ والاحترامِ لِشيْخِهِ البُخاريِّ، بما لا يتناسَبُ مع شِدَّةِ اللَّهجةِ والإنكارِ في رَدِّ مسلمٍ على هذا الرأي.

<<  <   >  >>