الكُتّابَ في سِنِّ الخامسة، فبدا منه ذكاءٌ وقوةُ حِفْظٍ يُزَيِّنُهما وَجْهٌ صبيح وهَامَةٌ وافية، تَرعْرَعَ في ظِلِّ العِلْمِ والقرآنِ وأخلاقِ القرآن فكان عاليَ الهِمَّةِ، مُتواضعًا حَسَنَ الخُلُقِ، حاضِرَ البديهة آخذًا بالاحتياط والوَرَع.
وفي نفحاتِ الحَرَمِ ظهرَتْ بوادِرُ أَلْمَعيَّتِه بعد حَجَّتِه الأُولى سَنَة ٧٨٤ هـ في مجاورته سنة ٧٨٥ ودراسته على شيوخِ مكَّةَ، ومُدارسَتِهم وقد أَتمَّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فقد بَحَثَ في "عُمْدَةِ الأحكامِ" للمَقْدسيّ على الحافظ أبي حامد محمدِ بن ظهيرة (المتوفى سنة ٧٨٧ هـ) بحثًا استنباطيًّا، وصلّى التراويحَ في المسجد الحَرام بالقرآن الكريم.
حياتُه العِلْمِيَّة:
وقد سَرَدَتِ المصادرُ أحداثَ حياةِ الحافِظِ ابنِ حَجَرٍ حَسبَما اتَّفَقَ اجتماعُ المعلوماتِ فيها، وقد رأَيْنا لِكَيْ نُلْقِيَ عليها الضوءَ المُوَضِّح في هذا البحثِ المختصر أنْ نبتكرَ لها تصنيفًا يضعُ الأمورَ أمامَ القُرَّاءِ جَلِيَّةً نَيِّرة.
وقد وَجَدْنَا في ضَوْءِ دراسةِ حياتهِ العِلْمِيّة فيما بَيْن أيدينا من المراجِع أنه يُمكِنُ أنْ نُقَسِّمَها إلى ثلاثِ مَراحِلَ نُبيِّنُها فيما يأتي:
المرحلةُ الأولى: بَدْءُ نَبَاهَتِه وتحصيله، وكان اشتغالُه فيها بالأدب والتاريخ، وقد بَدَا فيها صفاءُ طَبْعِه ورِقَّةُ حِسِّه مع ما كان عليه من التَّمَكُّنِ في اللُّغة العربية وبلاغتِها وأساليبِها، فقد نَظَمَ الشِّعْرَ الحَسَنَ وأجادَ فيه، حتَّى شَهِدَ له الباحثونَ بأنّه كانَ شاعِرًا طبعًا، وترجَمَه بَدْرُ الدِّين البَشْتَكِيّ في كتابه "طبقات الشُّعَراء". وله ديوانُ شِعْرٍ طُبِعَ في مُجَلَّدٍ واحدٍ في الهِنْد.
ومِنْ لطيفِ شِعْرِهِ قولُه:
ثلاثٌ مِنَ الدُّنْيَا إذا هي حُصِّلتْ … لشخصٍ فلَنْ يخشى من الضُّرّ والضَّيْرِ