ثم عَنْ ونَحْوُها من الصِّيَغِ المُحتَمِلةِ للسَّماعِ والإجازة ولِعَدَمِ السَّماعِ أيضًا، وهذا مِثْلُ: قالَ وذكرَ ورَوَى.
فاللفظانِ الأوّلانِ مِنْ صِيَغِ الأداءِ وهما: سَمِعْتُ وحدَّثني صالحانِ لِمَنْ سَمِعَ وحدَه مِنْ لفظِ الشيخ، وتخصيصُ التَّحديثِ بما سُمِعَ مِنْ لفظِ الشيخِ هو الشائِعُ بين أهلِ الحديثِ اصطلاحًا، ولا فرقَ بين التحديثِ والإخبارِ مِنْ حيثُ اللغةُ، وفي ادّعاءِ الفَرْقِ بينهما تكلُّفٌ شديد، لكنْ لمَّا تَقَرَّرَ الاصطلاحُ صار ذلك حقيقةً عُرْفِيةً فَتُقَدَّمُ على الحقيقةِ اللُّغوِية، مع أنَّ هذا الاصطلاحَ إنما شاعَ عند المَشَارِقَةِ ومَنْ تَبِعَهم، وأمَّا غَالِبُ المَغَارِبةِ فلَمْ يَستعمِلوا هذا الاصطلاحَ، بَلِ الإخبارُ والتحديثُ عِنْدَهم بمعنًى واحدٍ.
فإنْ جَمَعَ الراوي، أي أتى بصيغةِ الجَمْعِ في الصِّيغَةِ الأولى، كأَنْ يقولَ: حدَّثَنا فلانٌ أو سَمِعْنَا فلانًا يقولُ، فهو دليلٌ على أنّه سَمِعَ منه مع غيرِه، وقد تكونُ النونُ لِلْعَظَمَةِ لكنْ بِقِلَّةٍ.
وأَوَّلُها أي المراتبِ أَصْرَحُها أي أَصْرَحُ صِيَغِ الأدَاءِ في سَمَاعِ قائِلِها لأنها لا تَحتَمِلُ الواسطةَ، لكنْ حدَّثني قَدْ تُطلَقُ في الإجازَةِ تَدليسًا. وأرفَعُها مِقْدَارًا ما يقَعُ في الإملاءِ لِمَا فيه من التثبُّتِ والتحفُّظِ.
والثالثُ وهو أَخْبَرني، والرابعُ وهو قرأْتُ لِمَنْ قرأَ بنَفْسِه على الشيخِ، فإنْ جَمَعَ كأَنْ يقولَ: أَخْبَرَنَا أو قَرَأْنَا عليه فهو كالخامسِ، وهو قُرِئَ عليه وأنا أسمَعُ. وَعُرِفَ مِنْ هذا أنَّ التعبيرَ بقرأتُ لِمَنْ قرأَ خيرٌ من التعبير بالإخبار، لأنه أَفْصَحُ بصورةِ الحالِ.