للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الاصطلاح: ما لم يَجْمَعْ شروطَ التواتُر.

وفيها -أيْ الآحادِ- المقبولُ وهو ما يجب العملُ به عندَ الجمهور، وفيها المردودُ، وهو الذي لم يَرْجَحْ صِدْقُ المُخْبِر به، لتوقُّفِ الاستدلال بها على البحث عن أحوال رُواتِها، دونَ الأَوّلِ وهو المتواتِر فكلُّه مقبولٌ، لإفادته القَطْعَ بصِدْقِ مُخْبِرِه، بخلاف غيرهِ من أخبار الآحاد.

لكنْ إنما وَجَبَ العملُ بالمقبول منها لأنها إمَّا أنْ يوجدَ فيها أصلُ صفةِ القبول، وهو ثبوتُ صدقِ الناقِلِ (١)، أو أصلُ صفةِ الرَّدِّ، وهو ثبوتُ كَذِبِ الناقِلِ، أَوْ لا (٢).

فالأول: يَغْلِبُ (٣) على الظَّنِّ صِدْقُ الخَبَرِ لِثُبُوتِ صِدْقِ ناقِلِه فيؤخَذُ به.

والثاني: يَغْلِبُ على الظَّنِّ كَذِبُ الخَبَرِ لِثُبُوتِ كَذِبِ ناقِلهِ فَيُطْرَحُ.

والثالث: إنْ وُجِدَتْ قرينةٌ (٤) تُلْحِقُه بأحدِ القِسمين الْتَحَقَ، وإِلّا فَيُتَوَقَّفُ فيه، فإذا تُوُقِّف عن العمل به صار كالمردود، لا لِثُبُوتِ صفةِ الرَّدِّ، بَلْ لكونِه لم توجدْ فيه صفةٌ تُوجِبُ القبولَ، واللهُ أعلمُ.


(١) قوله: "ثبوتُ صِدْقِ الناقِل": أي لِاتِّصافِه بالعدالةِ والضَّبْطِ.
(٢) قوله: "أوْ لا": أيْ أوْ لا يتصف بأصل صفة القبول ولا بأصل صفة الرَّدِّ، فيكون مُحتمِلًا للقبول والرد، مثل سيء الحفظ، والمجهول.
(٣) قوله: "يغلبُ على الظنِّ": المراد أنه يثبتُ في العِلْمِ ثبوتًا مُحتمِلًا لأن يكونَ فيه خطأُ الراوي، لكنّ هذا الاحتمالَ ضعيف فلا يؤخَذُ به. وهذا النوع من العلم يظنه العامَّةُ يقينًا، وقد تعجَّبَ بعضُ المُتَمَجْهِدين من تعبير العلماء بهذا، واعتَرضَ عليهم، فدَلَّ على أنه لا يُمَيِّزُ الِعلْمَ اليقيني القَطْعيَّ مِنْ عِلْمِ غَلَبَةِ الظَّنِّ، لِبُعْدِهِ عن أُصولِ العلمِ وموازينِ المعرفة ومراتِبهما، وأَعْجَبُ من ذلك استدلالُ بعضِ العصريين بالآيات التي تذمُّ اتباعَ الظن.
وهذا خلطٌ بين المعنى الذي قصدَه القرآنُ وهو اتباعُ الوَهْمِ والحَدْسِ بلا حُجَّةٍ ولا بُرهانٍ، وبين المعنى الذي قصدَهُ العلماءُ وهو معنًى اصطلاحيٌّ لنوعٍ من العِلْم الناشئ عن الدليل، لكن فيه احتمالٌ ضعيف. فلا قِيْمةَ لهذا الاحتمال. تَأمّلْ ذلك فإنه مهم.
(٤) قرينة: أي صفة أو حالة.

<<  <   >  >>