للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل تكون العادةُ قد أحالتْ تواطؤَهُم على الكذب، وكذا وقوعَه منهم اتفاقًا من غير قصد، فلا معنى لتعيين العدد على الصحيح.

ومِنْهم مَنْ عَيَّنه في الأربعة، وقيل في الخمسة، وقيل في السبعة، وقيل في العشرة، وقيل في الاثني عشر، وقيل في الأربعين، وقيل في السبعين، وقيل غير ذلك.

وتَمسَّكَ كلُّ قائلٍ بدليل جاء فيه ذكرُ ذلك العدد فأفادَ العلمَ (١)، وليس بلازم أن يَطَّرِدَ في غيره، لاحتمالِ الاختصاصِ.

فإذا ورد الخبر كذلك (٢) وانضاف إليه أن يستوي الأمرُ فيه في الكثرة المذكورة من ابتدائه إلى انتهائه -والمراد بالاستواء ألّا تنقصَ الكثرة


= والمعنى: إن الحديث إن كان له طرقٌ كثيرةٌ كثرة تبلغ مبلغًا يستحيل معها تواطؤهم على الكذب، بأي عدد، فقد تحصل بأربعة ثقاتٍ أثبات، أو تحصل بأكثر دونَهم في الثقة، وهذا يردُّ به الحافظ ابن حجر على بعض مَنْ عَيّن للتواتر عددًا، كالأربعة والعشرة. . . ومعنى التواطؤ على الكذب الاتفاقُ عليه، وقوله: "وكذا وقوعَه منهم اتفاقًا": أي على سبيل المصادفة.
(١) مرادُ المصنِّف أن كل واحد ممن عيَّن للمتواتر عددًا استند إلى نصٍّ شرعي ورد فيه ذكرُ العدد الذي عيّنه ورودًا يجعل هذا العدد مفيدًا للعلم القطعي: مثل تعيين الأربعة استنادًا إلى أنه العددُ المطلوب في الشهود لإثبات حدِّ الزنى. والخمسة لأنه عدد الأيمان التي تُطلب من الزوج إذا اتهم زوجته بالزني، وتُطلب من الزوجة إذا كذبت تلك التهمة، والعشرة لقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فقد وصفها بالكمال، وذلك يجعلها تفيد العلم اليقيني.
وقد رد المصنفُ على هؤلاء بأن دليلَهم على التعيين غيرُ كافٍ، لأن الاعتماد على هذا العدد في الموضوع الذي ورد في الشرع لا يدل على أنه يفيد التواترَ والعلمَ القطعي دائمًا، لاحتمال أن يكون لكل عدد خُصُوصيةٌ في الموضوع الذي ورد فيه.
كذلك الشأن في إفادة العلم اليقيني قد يتحقق بثلاثة أو أربعة من الحفاظ، ويحتاج إلى عشرة من أهل الصدق غير الضابطين وإلى أكثر من عشرة ليسوا من أهل العدالة.
لذلك قالوا: إن تعيين العدد للمتواتر تحكم فاسد.
مثال المتواتر: حديث "مَنْ كَذَب عليّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار" رواه بِضْعٌ وسبعون صحابيًّا.
(٢) "كذلك" أي على الصفة السابقة، وهي كثرة الطرق بالشروط المذكورة.

<<  <   >  >>