للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالأولُ: لا يَقْبَلُ صاحبَها الجمهورُ، وقيل: يُقْبَل مُطْلَقًا، وقيل: إِنْ كانَ لا يعتقِدُ حِلَّ الكَذِبِ لِنُصْرَةِ مَقَالَتِهِ قُبِل.

والتحقيقُ أنَّه لا يُرَدُّ كلُّ مُكَفَّر ببدعةٍ لأنَّ كُلَّ طائفةٍ تدَّعي أنَّ مُخالِفِيها مُبْتَدِعةٌ، وقد تُبالِغُ فَتُكَفِّرُ مُخَالِفَها، فلو أُخِذَ ذلكَ على الإطلاقِ لاستَلْزَمَ تكفيرَ جميعِ الطوائفِ، فالمُعْتَمَدُ أنَّ الذي تُرَدُّ روايتهُ مَنْ أَنْكَر أمرًا متواتِرًا من الشَّرْع معلومًا من الدِّين بالضرورة، وكذا مَنِ اعتقدَ عكسَه، فأمّا مَنْ لم يَكُنْ بهذه الصفة وانضمَّ إلى ذلك ضَبْطُه لِمَا يَرْويه مع وَرَعهِ وتَقْوَاهُ فلا مانِعَ مِنْ قَبولِهِ (١).

والثاني: وهو مَنْ لا تقتضي بِدْعَتُهُ التكفيرَ أصلًا، وقد اختُلِف أيضًا في قَبولِهِ ورَدِّه: فقيل: يُرَدُّ مُطْلَقًا. وهو بعيدٌ، وأكثرُ ما عُلِّلَ به أنَّ في الرِّواية عنه تَرويجًا لأمْرِه وتنويهًا بذِكْرِه، وعلى هذا فينبغي ألَّا يُرْوَى عن مُبْتَدِعٍ شيءٌ يُشارِكُه فيه غيرُ مُبْتَدِع، وقيل: يُقْبَلُ مُطْلَقًا (٢) إلا إنِ اعتَقَدَ حِلَّ الكذب كما تقدَّم، وقيل: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته، لأن تزيينَ بدعته قد يَحمِلُه على تحريف الرِّواياتِ وتَسْويتِها على ما يقتضيه مذهبُه، وهذا في الأصحِّ.

وأغربَ ابنُ حِبَّان فادَّعى الاتفاقَ على قَبولِ غيرِ الدَّاعِيَةِ مِنْ غَيْرِ


= على تكفير المُجَسِّمَة. أو اعتقادِ أنَّ القرآنَ زِيْدَ فيه أو نُقِصَ منه عياذًا بالله تعالى.
(١) أي بشرط ألَّا يكونَ داعِيةً لِبدْعَتهِ، وألَّا يكونَ المَرْوِيُّ مُوَافِقًا لِبدْعَتِه. كما سيأتي في القِسْم الثاني وفيه خِلافٌ.
(٢) أي سواءٌ كان داعيةً إلى بِدْعَتهِ أو غيرَ داعيةٍ، بشَرْطِ ألَّا يَسْتَحِلَّ الكَذِبَ لتأييد مذهبه. وعلى هذا كثيرٌ مِنْ أهلِ الحديث والفِقْه، لكنَّ مذهبَ الجمهور أَحْوَطُ.
وإنْ كان لأئمَّةِ الحديثِ نَظْرَةٌ خاصَّةٌ في بعضِ المُبتَدِعة، فقَبلُوا رِوايتَهم ولو كانوا دُعاةً، وذلك لِلخبْرَةِ الخاصّة بهذا الشخص، مِثْلُ الخوراجِ، فقد كانوا في غايةِ الصِّدقِ، وقُدَماءُ المُحَدِّثين عاصروا الرُّواةَ وخَبَرُوا أحوالَهم، وبذلك يُخَرَّجُ رِوايةُ الشيخين لبعض الدُّعاةِ.

<<  <   >  >>