للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي حَدِيثِ الْقَضَاءِ:

مَنْ وَليَ قَاضِيًا «١» فكأَنما ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ

؛ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ والحِرصِ عَلَيْهِ أَي مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ؛ وَالذَّبْحُ هَاهُنَا مَجَازٌ عَنِ الْهَلَاكِ فإِنه مِنْ أَسْرَعِ أَسبابِه، وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ سِكِّينٍ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن الذَّبْحَ فِي العُرْف إِنما يَكُونُ بِالسِّكِّينِ، فَعُدِلَ عَنْهُ لِيُعْلَمَ أَن الَّذِي أَراد بِهِ مَا يُخافُ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِ دِينِهِ دُونَ هَلَاكِ بَدَنِهِ، وَالثَّانِي أَن الذَّبْحَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ رَاحَةُ الذَّبِيحَةِ وَخَلَاصُهَا مِنَ الأَلم إِنما يَكُونُ بِالسِّكِّينِ، فإِذا ذُبِحَ بِغَيْرِ السِّكِّينِ كَانَ ذَبْحُهُ تَعْذِيبًا لَهُ، فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ لِيَكُونَ أَبلغَ فِي الحَذَرِ وأَشَدَّ فِي التَّوَقِّي مِنْهُ. وذَبَّحَه: كذَبَحَه، وَقِيلَ: إِنما ذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْكَثْرَةِ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ*

؛ وَقَدْ قُرِئَ: يَذْبَحُون أَبناءَكم؛ قَالَ أَبو إِسحاق: الْقِرَاءَةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا بِالتَّشْدِيدِ، وَالتَّخْفِيفُ شَاذٌّ، وَالْقِرَاءَةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا بِالتَّشْدِيدِ أَبلغ لأَن يُذَبِّحُون لِلتَّكْثِيرِ، ويَذْبَحُون يَصْلُح أَن يَكُونَ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَعْنَى التَّكْثِيرِ أَبلغ. والذِّبْحُ: اسْمُ مَا ذُبِحَ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

؛ يَعْنِي كَبْشَ إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ. الأَزهري: مَعْنَاهُ أَي بِكَبْشٍ يُذْبَحُ، وَهُوَ الْكَبْشُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسماعيلُ بْنُ خَلِيلِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ. الأَزهري: الذِّبْحُ مَا أُعِدَّ للذَّبْح، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبِيح وَالْمَذْبُوحِ. والذِّبْحُ: الْمَذْبُوحُ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطِّحْن بِمَعْنَى الْمَطْحُونِ، والقِطْفِ بِمَعْنَى المَقْطُوف؛ وَفِي حَدِيثِ الضَّحِيَّةِ:

فَدَعَا بِذِبْحٍ فذَبَحَه

؛ الذَّبْحُ، بِالْكَسْرِ: مَا يُذْبَحُ مِنَ الأَضاحِيّ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَبِالْفَتْحِ الْفِعْلُ مِنْهُ. واذَّبَحَ القومُ: اتَّخَذُوا ذَبِيحَةً، كَقَوْلِكِ اطَّبَخُوا إِذا اتَّخَذُوا طَبِيخًا. وَفِي حَدِيثِ

أُمِّ زَرْع: فأَعطاني مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجاً

؛ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ أَي أَعطاني مِنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ ذَبْحُه مِنَ الإِبل وَالْبَقْرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالرَّاءِ وَالْيَاءِ مِنَ الرَّوَاحِ. وذَبائحُ الْجِنِّ: أَن يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّارَ أَو يَسْتَخْرِجَ مَاءَ الْعَيْنِ وَمَا أَشبهه فَيَذْبَحُ لَهَا ذَبِيحَةً للطِّيَرَة؛ وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ؛ كَانُوا إِذا اشْتَرَوْا دَارًا أَو اسْتَخْرَجُوا عَيْنًا أَو بَنَوْا بُنياناً ذَبَحُوا ذَبِيحَةً، مَخَافَةَ أَن تُصِيبَهُمُ الْجِنُّ فأُضيفت الذَّبَائِحُ إِليهم لِذَلِكَ

؛ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنهم يَتَطَيَّرُونَ إِلى هَذَا الْفِعْلِ، مَخَافَةَ أَنهم إِن لَمْ يَذْبَحُوا أَو يُطْعِمُوا أَن يُصِيبَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ يُؤْذِيهِمْ، فأَبطل النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا وَنَهَى عَنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

كلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبوحُ

أَي ذَكِيّ لَا يَحْتَاجُ إِلى الذَّبْحِ. وَفِي حَدِيثِ

أَبي الدَّرْدَاءِ: ذَبْحُ الخَمْرِ المِلْحُ والشمسُ والنِّينانُ

؛ النِّينان: جَمْعُ نُونٍ، وَهِيَ السَّمَكَةُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ صِفَةُ مُرِّيٍّ يُعْمَلُ فِي الشَّامِ، يؤْخذ الخَمْرُ فَيُجْعَلُ فِيهِ الْمِلْحُ وَالسَّمَكُ وَيُوضَعُ فِي الشَّمْسِ، فَتَتَغَيَّرُ الْخَمْرُ إِلى طَعْمِ المُرِّيِّ، فَتَسْتَحِيلُ عَنْ هَيْئَتِهَا كَمَا تَسْتَحِيلُ إِلى الخَلِّيَّة؛ يَقُولُ: كَمَا أَن الْمَيْتَةَ حَرَامٌ وَالْمَذْبُوحَةَ حَلَالٌ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الأَشياء ذَبَحَتِ الخَمْرَ فَحَلَّتْ، وَاسْتَعَارَ الذَّبْحَ للإِحْلال. والذَّبْحُ فِي الأَصل: الشَّقُّ. والمِذْبَحُ: السِّكِّينُ؛ الأَزهري: المِذْبَحُ: مَا يُذْبَحُ بِهِ الذَّبِيحَةُ مِنْ شَفْرَة وَغَيْرِهَا. والمَذْبَحُ: مَوْضِعُ الذَّبْحِ مِنَ الحُلْقوم. والذَّابحُ: شَعْرٌ يَنْبُتُ بَيْنَ النَّصِيل والمَذْبَح.


(١). قوله [من ولي قاضياً إلخ] كذا بالأَصل والنهاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>