فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى، فِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَينَ أَتى
، قَالَ: وَتَقُولُ العرب جئتُك مِنْ أَينَ لَا تَعْلَم؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: أَما مَا حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ جئتُك مِنْ أَين لَا تعْلم فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ فَاسْتَفْهَمَ، كَمَا يَقُولُ قَائِلٌ أَينَ الماءُ والعُشْب. وَفِي حَدِيثِ خُطْبَةِ الْعِيدِ:
قَالَ أَبو سَعِيدٍ وَقَلْتُ أَيْنَ الابتداءُ بِالصَّلَاةِ أَي أَينَ تذْهَب، ثُمَّ قَالَ: الابْتِداءُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَين الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ
أَي أَينَ يَذْهَبُ الإِبتداءُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: والأَول أَقوى. وأَيّانَ: مَعْنَاهُ أَيُّ حينٍ، وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زمانٍ مِثْلَ مَتَى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَيَّانَ مُرْساها*
. ابْنُ سِيدَهْ: أَيَّان بِمَعْنَى مَتى فَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ شَرْطًا، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصحابنا فِي الظُّرُوفِ الْمَشْرُوطِ بِهَا نَحْوَ مَتى وأَينَ وأَيٌّ وحِينَ، هذا هُوَ الْوَجْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا صَحِيحًا كإِذا فِي غَالِبِ الأَمر؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ يَهْجُو امرأَة شبَّه حِرَها بفُوق السَّهْمِ:
نفاثِيّة أَيّانَ مَا شاءَ أَهلُها، ... رَوِي فُوقُها فِي الحُصِّ لَمْ يَتَغَيّب
. وَحَكَى الزَّجَّاجُ فِيهِ إيَّانَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ*
؛ أَي لَا يَعْلَمُونَ مَتَى البَعْث؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي إيّانَ يُبْعَثون، بِكَسْرِ الأَلف، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ مَتَى إوانُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ أَوان. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا يَجُوزُ أَن تقولَ أَيّانَ فَعَلْتَ هَذَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
، لَا يَكُونُ إِلَّا اسْتِفْهَامًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ. والأَيْنُ: شجرٌ حِجَازِيٌّ، وَاحِدَتُهُ أَينةٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
تذَكَّرْتُ صَخْراً، أَنْ تَغَنَّتْ حمامةٌ ... هَتُوفٌ عَلَى غُصنٍ مِنَ الأَيْنِ تَسْجَعُ
والأَواينُ: بَلَدٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الهُذليّ:
هَيْهاتَ ناسٌ مِنْ أُناسٍ ديارُهم ... دُفاقٌ، ودارُ الآخَرينَ الأَوايِنُ
قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَاوًا.
[فصل الباء الموحدة]
ببن: التَّهْذِيبِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بأَوَّلهم حَتَّى يَكُونُوا بَبّاناً وَاحِدًا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهديّ يَعْنِي شَيْئًا وَاحِدًا، قَالَ: وَذَلِكَ الَّذِي أَرادَ عمرُ، قَالَ: وَلَا أَحسب الْكَلِمَةَ عَرَبِيَّةً وَلَمْ أَسمعها إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بَبّانٌ هُوَ فَعّالٌ لَا فَعْلانٌ، قَالَ: وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ، قَالَ: وَلَمْ تُحْمل الْكَلِمَةُ عَلَى أَن فاءَها وعينَها ولامَها مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ بَبَبَ. النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَيضاً: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبّاناً وَاحِدًا مَا فُتِحَت عَلَيَّ قريةٌ إِلَّا قَسَمْتُها
أَي أَتركُهم شَيْئًا وَاحِدًا، لأَنَّه إِذَا قَسَمَ البلادَ المفتوحةَ عَلَى الغانِمينَ بقيَ مَنْ لَمْ يحضُر الغنيمةَ، وَمَنْ يَجِيء بعدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعِهِمْ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا، وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرير: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَبّان، قَالَ: والصحيحُ عِنْدَنَا بَيّاناً وَاحِدًا، قَالَ: والعربُ إِذَا ذَكَرت مَنْ لَا يُعْرف قَالُوا هَذَا هَيَّانُ بْنُ بَيّان، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لأُسَوِّيَنَّ بَيْنَهُمْ فِي العَطاء حَتَّى يَكُونُوا شَيْئًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لأَحدٍ عَلَى غَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الأَزهري