للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَجِلْدِ الشَّاةِ المَمْلوحة؟

يُقَالُ: مَلَحْتُ الشاةَ ومَلَّحْتها إِذا سَمَطْتها. والمِلْحُ: الرَّضاعُ؛ قَالَ أَبو الطَّمَحانِ وَكَانَتْ لَهُ إِبل يَسْقِي قَوْمًا مِنْ أَلبانها ثُمَّ أَغاروا عَلَيْهَا فأَخذوها:

وإِني لأَرْجُو مِلْحها فِي بُطُونِكم، ... وَمَا بَسَطَتْ مِنْ جِلْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرا

وَذَلِكَ أَنه كَانَ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ فأَخذوا إِبله فَقَالَ: أَرجو أَن تَرْعَوْا مَا شَرِبْتُم مِنْ أَلبان هَذِهِ الإِبل وَمَا بَسَطتْ مِنْ جُلُودِ قَوْمٍ كأَنَّ جُلُودَهُمْ قَدْ يَبِسَتْ فَسَمَّنُوا مِنْهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَغبر بِالْخَفْضِ وَالْقَصِيدَةُ مَخْفُوضَةُ الرَّوِيِّ وأَوَّلها:

أَلا حَنَّتِ المِرْقالُ واشْتاقَ رَبُّها؟ ... تَذَكَّرُ أَرْماماً، وأَذْكُرُ مَعْشَرِي

قَالَ: يَقُولُ إِني لأَرجو أَن يأْخذكم اللَّهُ بِحُرْمَةِ صَاحِبِهَا وغَدْرِكم بِهِ، وَكَانُوا اسْتَاقُوا لَهُ نَعماً كَانَ يَسْقِيهِمْ لَبَنَهَا؛ ورأَيت فِي بَعْضِ حَوَاشِي نُسَخِ الصِّحَاحِ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشد هَذَا الْبَيْتَ فِي نَوَادِرِهِ:

وَمَا بَسَطتْ مِنْ جِلدِ أَشعَثَ مُقْتِرِ

الْجَوْهَرِيُّ: والمَلْح، بِالْفَتْحِ، مَصْدَرُ قَوْلِكَ مَلَحْنا لِفُلَانٍ مَلْحاً أَرْضعناه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَا يُبْعِد اللهُ رَبُّ العِبادِ ... والمِلْح مَا وَلَدَت خالِدَهْ

يَعْنِي بالمِلْح الرَّضاع؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: المِلْحُ فِي قَوْلِ أَبي الطَّمَحانِ الْحُرْمَةُ والذِّمامُ. وَيُقَالُ: بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِلْحٌ ومِلْحَةٌ إِذا كَانَ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ، فَقَالَ: أَرجو أَن يأْخذكم اللَّهُ بِحُرْمَةِ صَاحِبِهَا وغَدْرِكم بِهَا. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الْعَرَبُ تُعَظِّمُ أَمر المِلح وَالنَّارِ وَالرَّمَادِ. الأَزهري: وَقَوْلُهُمْ مِلْح فُلَانٍ عَلَى رُكْبَتيه فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه مُضَيِّعٌ لحقِّ الرِّضَاعِ غَيْرُ حَافِظٍ لَهُ فأَدنى شَيْءٍ يُنْسيه ذِمامَه كَمَا أَن الَّذِي يَضَعُ المِلْح عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَدنى شَيْءٍ يُبَدِّدُه؛ وَالْقَوْلُ الآخر أَنه سَيء الْخُلُقِ يَغْضَبُ مِنْ أَدنى شَيْءٍ كَمَا أَنَّ المِلح عَلَى الرُّكْبة يَتَبَدَّدُ مِنْ أَدنى شَيْءٍ. وَرُوِيَ قَوْلُهُ: والمِلح مَا وَلَدَتْ خَالِدَهْ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَبْعُدُ اللَّهُ وَجَعَلَ الْوَاوَ وَاوَ الْقَسَمِ. ابْنُ الأَعرابي: المِلْحُ اللبنُ. ابْنُ سِيدَهْ: مَلَحَ رَضعَ. الأَزهري يُقَالُ: مَلَحَ يَمْلَحُ ويَمْلُحُ إِذا رَضَعَ، ومَلَح الماءُ ومَلُحَ يَمْلُحُ مَلاحةً. والمِلاحُ: المُراضَعة؛ اللَّيْثُ: المِلاحُ الرَّضاعُ، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ هَوازِنَ:

أَنهم كَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَبْيِ عَشائرهم فَقَالَ خطيبُهم: إِنا لَوْ كنا مَلَحْنا لِلْحَرْثِ بْنِ أَبي شَمِر أَو لِلنُّعْمَانِ بْنِ المنذِرِ ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلك هَذَا مِنَّا لِحِفْظِ ذَلِكَ لَنَا، وأَنت خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ فَاحْفَظْ ذَلِكَ

؛ قَالَ الأَصمعي: فِي قَوْلِهِ مَلَحْنا أَي أَرْضَعْنا لَهُمَا، وإِنما قَالَ الهَوازِنيُّ ذَلِكَ لأَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مُسْتَرضَعاً فِيهِمْ أَرضعته حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ. والمُمَالَحة: المُراضعة والمُواكلة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ لَا يَصِحُّ أَن يُقَالَ تَمالَحَ الرَّجُلَانِ إِذا رَضَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، هَذَا مُحال لَا يَكُونُ، وإِنما المِلْحُ رَضاع الصَّبِيِّ المرأَةَ وَهَذَا مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُفَاعَلَةُ، فالمُمَالحة لَفْظَةٌ مولَّدة وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُوَاكَلَةِ وَيَكُونُ مأْخوذاً مِنَ المِلْح لأَن الطَّعَامَ لَا يَخْلُو مِنَ الْمِلْحِ، وَوَجْهُ فَسَادِ هذا القول أَن الْمُفَاعَلَةَ إِنما تَكُونُ مأْخوذة مِنْ مَصْدَرٍ مِثْلِ المُضاربة وَالْمُقَاتَلَةِ، وَلَا تَكُونُ مأْخوذة مِنَ الأَسماء غَيْرَ الْمَصَادِرِ، أَلا تَرَى أَنه لَا يَحْسُنُ أَن يُقَالَ فِي الِاثْنَيْنِ إِذا أَكلا خُبْزًا

<<  <  ج: ص:  >  >>