للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصَارَتْ فِي التَّقْدِيرِ بِبَيْداءٍ ثُمَّ إِنه شَدَّدَ التَّنْوِينَ ضَرُورَةً عَلَى حَدِّ التَّثْقِيلِ فِي قَوْلِهِ:

ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا

فَلَمَّا ثَقُلَ التَّنْوِينُ وَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ فَتَحَ الثَّانِي مِنَ الْحَرْفَيْنِ لِالْتِقَائِهِمَا، ثُمَّ أَلحق الهاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ كإِلحاقها فِي هُنَّهْ؟ فَالْجَوَابُ أَن هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَن هَذَا التَّثْقِيلَ إِنما أَصله أَن يَلْحَقَ فِي الْوَقْفِ، ثُمَّ إِن الشَّاعِرَ اضْطُرَّ إِلى إِجراء الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الضَّرُورَةِ" سَبْسَبَّا وكَلْكَدَّا وَنَحْوَهُ، فأَما إِذا كَانَ الْحَرْفُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ فِي الْوَقْفِ الْبَتَّةَ مُخَفَّفًا، فَهُوَ مِنَ التَّثْقِيلِ فِي الْوَصْلِ أَو فِي الْوَقْفِ أَبعد، أَلا تَرَى أَن التَّنْوِينَ مِمَّا يَحْذِفُهُ الْوَقْفُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فإِذا لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَقْفِ أَصلًا فَلَا سَبِيلَ إِلى تَثْقِيلِهِ، لأَنه إِذا انْتَفَى الأَصل الَّذِي هُوَ التَّخْفِيفُ هُنَا، فَالْفَرْعُ الَّذِي هُوَ التَّثْقِيلُ أَشدّ انْتِفَاءً، وأَجاز أَبو عَلِيٍّ فِي هَذَا ثَلَاثَةَ أَوجه: فأَحدها أَن يَكُونَ أَراد ببَيْدا ثُمَّ أَلحق إِن الْخَفِيفَةَ وَهِيَ الَّتِي تَلْحَقُ الإِنكار، نَحْوَ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ لَهُ: أَتخرج إِن أَخصبت الْبَادِيَةُ؟ فَقَالَ: أَأَنا إِنِّيَهْ؟ مُنْكِرًا لرأْيه أَن يَكُونَ عَلَى خِلَافِ أَن يَخْرُجَ، كَمَا تَقُولُ: أَلمثلي يُقَالُ هَذَا؟ أَنا أَول خَارِجٍ إِليها، فَكَذَلِكَ هَذَا الشَّاعِرُ أَراد: أَمثلي يُعَرَّف مَا لَا يُنْكِرُهُ، ثُمَّ إِنه شَدَّدَ النُّونَ فِي الْوَقْفِ ثُمَّ أَطلقها وَبَقِيَ التَّثْقِيلُ بِحَالِهِ فِيهَا عَلَى حَدِّ سَبْسَبَّا، ثُمَّ أَلحق الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ نَحْوَ كِتَابِيَهْ وَحِسَابِيَهْ وَاقْتَدِهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَن يَكُونَ أَراد إِنّ الَّتِي بِمَعْنَى نَعَمْ فِي قَوْلِهِ:

ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاكَ، ... وَقَدْ كبِرْتَ، فَقُلْتُ إِنَّهْ

أَي نَعَمْ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَن يَكُونَ أَراد إِن الَّتِي تَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ وَتَكُونُ الْهَاءُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لأَنها اسْمُ إِنّ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا كأَنه قَالَ: إِنَّ الأَمر كَذَلِكَ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ بَيْدا إِنَّهْ قَدْ أَثبت أَن الأَمر كَذَلِكَ فِي الثلاثة الأَوجه، لأَن إِنّ الَّتِي للإِنكار مُؤَكِّدَةٌ مُوجَبَةٌ، وَنَعَمْ أَيضاً كَذَلِكَ، «٢» وإِن النَّاصِبَةَ أَيضاً كَذَلِكَ، وَيَكُونُ قَصْرُ ببيداء في هذه الثلاثة الأَوجه كَمَا قَصَرَ الْآخَرُ مَا مَدَّتُهُ للتأْنيث فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:

لَا بُدّ مِن صَنْعَا، وإِنْ طالَ السَّفَرْ

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَلَا يجُوز أَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ فِي بَيْدا إِنَّهْ هِيَ هَمْزَةُ بَيْدَاءَ لأَنه إِذا جَرَّ الِاسْمَ «٣» غَيْرَ الْمُنْصَرِفِ وَلَمْ يَكُنْ مُضَافًا وَلَا فِيهِ لامُ المَعْرفة وَجَبَ صَرْفُهُ وَتَنْوِينُهُ، وَلَا تَنْوِينَ هُنَا لأَن التَّنْوِينَ إِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ بِحَرْفِ الإِعراب دُونَ غَيْرِهِ، وأَجاز أَيضاً فِي تَعَفَّتْ إِنَّهْ هَذِهِ الأَوجه الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. والبَيْدانَةُ: الْحِمَارَةُ الْوَحْشِيَّةُ أُضيفت إِلى الْبَيْدَاءِ، والجمعُ الْبَيْدَانَاتُ وأَتانٌ بَيْدانَةٌ: تَسْكُن البَيْداءَ. والبَيْدانَةُ: الأَتان اسْمٌ لَهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:

ويَوْماً عَلَى صَلْتِ الجَبِينِ مُسَحَّجٍ، ... وَيَوْمًا عَلَى بَيْدانَةٍ أُمِّ تَوْلَبِ

يُرِيدُ حِمَارَ وَحْشٍ. وَالصَّلْتُ: الْوَاضِحُ الْجَبِينُ. وَالْمُسَحَّجُ: المُعَضَّضُ، وَيُرْوَى:

فيوْماً عَلَى سِرْبٍ نَقِيٍّ جُلُودُه

يَعْنِي بِالسِّرْبِ الْقَطِيعَ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ، يُرِيدُ يَوْمًا أُغِيرُ بِهَذَا الْفَرَسِ عَلَى بَقَرِ وَحْشٍ أَو حَمِيرِ وَحْشٍ. وفي تسمية


(٢). قوله" ونعم أيضاً كذلك" كذا في نسخة المؤلف والأولى والتي بمعنى نعم أيضاً كذلك.
(٣). قوله" إذا جرّ الاسم" أي كسر، وقوله وجب صرفه أي تنوينه فعطفه عليه تفسير، وهذا كله للضرورة. وقوله: لِأَنَّ التَّنْوِينَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذلك إلخ كذا في نسخة المؤلف ولعل الأولى لأن التنوين إنما يكون في حرف الإعراب إلخ يعني وحرف الإعراب وهو الهمزة قد حذف.

<<  <  ج: ص:  >  >>