للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَحَلْتُ إِلَيْكَ مِنْ جَنَفاءَ، حَتَّى ... أَنَخْتُ فِناءَ بَيْتِك بالمَطَالي

وَقَالَ السُّلَيْكُ بنُ السُّلَكَةِ فِي قَرَماءَ:

عَلَى قَرَماءَ عالِيَة شَوَاهُ، ... كَأَنَّ بياضَ غُرَّته خِمارُ

وَقَالَ لَبِيدٌ فِي حَسَداءَ:

فَبِتْنا حيثُ أَمْسَيْنا ثَلَاثًا ... عَلَى حَسَداءَ، تَنْبَحُنا الكِلابُ

ثرد: الثَّرِيدُ مَعْرُوفٌ. والثَّرْدُ: الهَشْمُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِمَا يُهشم مِنَ الْخُبْزِ ويُبَلُّ بِمَاءِ القِدْرِ وَغَيْرِهِ: ثَريدة. والثَّرْدُ: الفَتُّ، ثَرَدَهُ يَثْرُدُهُ ثَرْداً، فَهُوَ ثَرِيدٌ. وثَرَدْتُ الْخُبْزَ ثَرْداً: كَسَرْتُهُ، فَهُوَ ثَريدٌ ومَثْرُود، وَالِاسْمُ الثُّردة، بِالضَّمِّ. والثَّريدُ والثَّرودَةُ: مَا ثُرِدَ مِنَ الْخُبْزِ. واثَّرَدَ ثَرِيدًا واتَّرَدَه: اتَّخَذَهُ. وَهُوَ مُتَّرِد، قُلِبَتِ الثَّاءُ تَاءً لأَن الثَّاءَ أُخت التَّاءِ فِي الْهَمْسِ، فَلَمَّا تَجَاوَرَتَا فِي الْمَخْرَجِ أَرادوا أَن يَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ وَجْهٍ فَقَلَبُوهَا تَاءً وأَدغموها فِي التَّاءِ بَعْدَهَا، لِيَكُونَ الصَّوْتُ نَوْعًا وَاحِدًا، كأَنهم لَمَّا أَسكنوا تَاءَ وَتِدٍ تَخْفِيفًا أَبدلوها إِلى لَفْظِ الدَّالِ بَعْدَهَا فَقَالُوا وَدٌّ. غَيْرُهُ: اثَّرَدْتُ الْخُبْزَ أَصله اثْتَرَدْتُ عَلَى افْتَعَلْتُ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ حَرْفَانِ مَخْرَجَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ الإِدغام، إِلَّا أَن الثَّاءَ لَمَّا كَانَتْ مَهْمُوسَةً وَالتَّاءُ مَجْهُورَةٌ «٤» لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، فأَبدلوا مِنَ الأَول تَاءً فأَدغموه فِي مِثْلِهِ، وَنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ يُبْدِلُونَ مِنَ التَّاءِ ثَاءً فَيَقُولُونَ: اثَّرَدْتُ، فَيَكُونُ الحرف الأَصلي هو الظاهر؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَلا يَا خُبْزَ يَا ابْنَةَ يَثْرُدانٍ، ... أَبَى الحُلْقُومُ بَعْدَكِ لَا يَنامُ

وبَرْقٍ لِلعَصيدَةِ لاحَ وَهْناً، ... كَمَا شَقَّقْت فِي القِدْرِ السَّناما «٥»

. قَالَ: يَثْرُدانٍ غُلَامَانِ كَانَا يَثْرُدَانِ فَنَسَب الخُبزة إِليهما وَلَكِنَّهُ نَوَّنَ وَصَرَفَ لِلضَّرُورَةِ، وَالْوَجْهُ فِي مِثْلِ هَذَا أَن يُحْكَى، وَرَوَاهُ الْفَرَّاءُ أُثْرُدانٍ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ بِفِعْلٍ سُمِّيَ بِهِ إِنما هُوَ اسْمٌ كأُسْحُلان وأُلْعُبانٍ؛ فَحُكْمُهُ أَن يَنْصَرِفَ فِي النَّكِرَةِ وَلَا يَنْصَرِفُ فِي الْمَعْرِفَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظن أُثْرُدانَ اسْمًا لِلثَّرِيدِ أَو الْمَثْرُودِ مَعْرِفَةً، فإِذا كَانَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ أَن لَا يَنْصَرِفَ لَكِنْ صَرَفَهُ لِلضَّرُورَةِ، وأَراد أَبى صَاحِبُ الْحُلْقُومُ بَعْدَكِ لَا يَنَامُ لأَن الْحُلْقُومَ لَيْسَ هُوَ وَحْدَهُ النَّائِمَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ خَصَّ الْحُلْقُومَ هَاهُنَا لأَن مَمَرَّ الطَّعَامِ إِنما هُوَ عَلَيْهِ، فكأَنه لَمَّا فَقَدَهُ حنَّ إِليه فَلَا يَكُونُ فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حَذْفٌ. وَقَوْلُهُ: وبرقٍ لِلْعَصِيدَةِ لَاحَ وَهْنًا، إِنما عَنَى بِذَلِكَ شِدَّةَ ابْيِضَاضِ الْعَصِيدَةِ فكأَنما هِيَ بَرْقٌ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ إِنه كَانَ جَوْعانَ مُتَطَلِّعًا إِلى الْعَصِيدَةِ كَتَطَلُّعِ الْمُجْدِبِ إِلى الْبَرْقِ أَو كَتَطَلُّعِ الْعَاشِقِ إِليه إِذا أَتاه مِنْ نَاحِيَةِ مَحْبُوبِهِ. وَقَوْلُهُ: كَمَا شَقَّقْتَ فِي القِدر السَّنَامَا، يُرِيدُ أَن تِلْكَ الْعَصِيدَةَ بَيْضَاءُ تَلُوحُ كَمَا يَلُوحُ السَّنَامُ إِذا شُقِّقَ، يَعْنِي بِالسَّنَامِ الشَّحْمَ إِذ هُوَ كُلُّهُ شَحْمٌ. وَيُقَالُ: أَكلنا ثَريدة دَسِمَةً، بِالْهَاءِ، عَلَى مَعْنَى الِاسْمِ أَو الْقِطْعَةِ مِنَ الثَّرِيدِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ

؛ قِيلَ: لَمْ يُرِدْ عَيْنَ الثَّرِيدِ وإِنما أَراد الطَّعَامَ الْمُتَّخَذَ مِنَ اللَّحْمِ والثَّريدِ مَعًا لأَن الثَّرِيدَ غَالِبًا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ لَحْمٍ، وَالْعَرَبُ قَلَّمَا تَتَّخِذُ طَبِيخًا وَلَا سِيَّمَا بِلَحْمٍ. وَيُقَالُ: الثَّرِيدُ أَحد اللَّحْمَيْنِ بَلِ اللَّذَّةُ والقوَّة إِذا كَانَ اللَّحْمُ نَضِيجًا فِي الْمَرَقِ أَكثر مَا يَكُونُ فِي نَفْسِ اللَّحْمِ. والتَّثْريدُ فِي الذَّبْحِ: هُوَ الْكَسْرُ قَبْلَ أَن يَبْرُدَ، وهو


(٤). قوله [والتاء مجهورة] المشهور أن التاء مهموسة.
(٥). في هذا البيت إقواء

<<  <  ج: ص:  >  >>