عواصِيَ إِلَّا مَا جعلْتُ وراءَها ... عَصَا مِرْبَدٍ، تَغْشَى نُحوراً وأَذْرُعا
قِيلَ: يَعْنِي بِالْمِرْبَدِ هَاهُنَا عَصًا جَعَلَهَا مُعْتَرِضَةً عَلَى الْبَابِ تَمْنَعُ الإِبل مِنَ الْخُرُوجِ، سَمَّاهَا مِرْبَدًا لِهَذَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ أَنكر غَيْرُهُ مَا قَالَ، وَقَالَ: أَراد عَصًا مُعْتَرِضَةً عَلَى بَابِ الْمِرْبَدِ فأَضاف الْعَصَا الْمُعْتَرِضَةَ إِلى الْمِرْبَدِ لَيْسَ أَن الْعَصَا مِرْبَدٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الرَّبْد الْحَبْسُ، وَالرَّابِدُ: الْخَازِنُ، وَالرَّابِدَةُ: الْخَازِنَةُ، والمِربد: الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ الإِبل وَغَيْرُهَا. وَفِي حَدِيثِ
صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنه كَانَ يَعْمَلُ رَبَداً بِمَكَّةَ.
الرَّبْدُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ: الطِّينُ، والرَّبَّادُ: الطيَّان أَي بناءٌ مِنْ طِينٍ كالسِّكْر، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الرَّبْد الْحَبْسُ لأَنه يَحْبِسُ الماءَ وَيُرْوَى بِالزَّايِ وَالنُّونِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ ومِرْبَد الْبَصْرَةِ: مِن ذَلِكَ سُمِّيَ لأَنهم كَانُوا يَحْبِسُونَ فِيهِ الإِبل؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
عَشِيَّةَ سَالَ المِرْبَدان، كِلَاهُمَا، ... عَجاجَة مَوْتٍ بالسيوفِ الصَّوَارِمِ
فإِنما سَمَّاهُ مَجَازًا لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ مُجَاوِرِهِ، ثُمَّ إِنه مَعَ ذَلِكَ أَكده وإِن كَانَ مَجَازًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبَيْهِ مِرْبَدًا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي بَيْتِ الْفَرَزْدَقِ: إِنه عَنَى بِهِ سِكَّةَ الْمِرْبَدِ بِالْبَصْرَةِ، وَالسِّكَّةَ الَّتِي تَلِيهَا مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي تَمِيمٍ جَعَلَهُمَا الْمِرْبَدَيْنِ، كَمَا يُقَالُ الأَحْوصان وَهُمَا الأَحْوص وَعَوْفُ بْنُ الأَحوص. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن مَسْجِدَهُ كَانَ مِرْبَداً لِيَتِيمَيْنِ فِي حَجْر مُعَاذِ بْنِ عَفْراء، فَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَبَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَسْجِدًا.
قَالَ الأَصمعي: المِرْبد كُلُّ شَيْءٍ حُبِسَتْ بِهِ الإِبل وَالْغَنَمُ، وَلِهَذَا قِيلَ مِرْبد النَّعَمِ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ، وَبِهِ سُمِّيَ مِرْبَد الْبَصْرَةِ، إِنما كَانَ مَوْضِعَ سُوقِ الإِبل وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَيضاً إِذا حُبست بِهِ الإِبل، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، مِنْ رَبَد بِالْمَكَانِ إِذا أَقام فِيهِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه تَيَمَّمَ بِمِرْبد الْغَنَمِ.
ورَبَدَ بِالْمَكَانِ يَرْبُدُ رُبُودًا إِذا أَقام بِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَبَدَهُ حَبَسَهُ. والمِرْبد: فَضَاءٌ وَرَاءَ الْبُيُوتِ يُرْتَفَقُ بِهِ. والمِرْبد: كالحُجرة فِي الدَّارِ. ومِرْبد التَّمْرِ: جَرِينه الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ بَعْدَ الْجِدَادِ لِيَيْبَسَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ اسْمٌ كالمَطْبَخ وإِنما مَثَّلَهُ بِهِ لأَن الطَّبْخَ تَيْبِيسٌ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالْمِرْبَدُ أَيضاً مَوْضِعُ التَّمْرِ مِثْلُ الْجَرِينِ، فَالْمِرْبَدُ بِلُغَةِ أَهل الْحِجَازِ وَالْجَرِينُ لَهُمْ أَيضاً، والأَنْدَر لأَهل الشَّامِ، والبَيْدَر لأَهل الْعِرَاقِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَهل الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ التَّمْرُ لِيُنَشَّفَ مِرْبَدًا، وَهُوَ المِسْطَح وَالْجَرِينُ فِي لُغَةِ أَهل نَجْدٍ، وَالْمِرْبَدُ لِلتَّمْرِ كالبيدَر لِلْحِنْطَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى يَقُومَ أَبو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِربده بإِزاره
؛ يَعْنِي مَوْضِعَ تَمْرِهِ. ورَبد الرجلُ إِذا كَنَزَ التَّمْرَ فِي الرَّبَائِدِ وَهُوَ الْكَرَاحَاتُ «٤» وَتَمْرٌ رَبِيد: نُضِّدَ فِي الْجِرَارِ أَو فِي الحُب ثُمَّ نُضِحَ بِالْمَاءِ. والرُّبَد: فِرِنْد السَّيْفِ. ورُبْد السَّيْفِ: فِرِنْدُهُ، هُذَلِيَّةٌ؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُه، ... أَبيضَ مَهْوٍ، فِي مَتْنِهِ رُبَد
وَسَيْفٌ ذُو رُبَد، بِفَتْحِ الْبَاءِ، إِذا كُنْتَ تَرَى فِيهِ شِبْهَ غُبَارٍ أَو مَدَبّ نَمْلٍ يَكُونُ فِي جَوْهَرِهِ، وأَنشد بَيْتَ صَخْرِ الْغَيِّ الْهُذَلِيِّ وَقَالَ: الخشيبة الطبيعة أَخلصتها
(٤). قوله [الكراحات إلخ] كذا بالأصل ولم نجده فيما بأيدينا من كتب اللغة.