قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جِنِّي شَرَدا عَلَى مِثَالِ عَجَلٍ وكُتُبٍ استَعْصَى وذَهَبَ عَلَى وجْهه؛ الْجَوْهَرِيُّ: الْجَمْعُ شَرَدٌ عَلَى مِثَالِ خادِمٍ وخَدَم وغائِب وغَيَب، وَجَمْعُ الشَّرُود شُرُدٌ مِثْلُ زَبُورٍ وَزُبُر؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِعَبْدِ مَنَافِ بْنِ رَبِيعٍ الْهُذَلِيِّ:
حَتَّى إِذا أَسْلَكوهُمْ فِي قُتائِدَةٍ ... شَلًّا، كَمَا تَطْرُد الجمَّالةُ الشُّرُدا
وَيُرْوَى الشَّرَدا. والتَّشْريدُ: الطَّرْد. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَتَدْخُلُنَّ الجنةَ أَجمعون أَكتعون إِلا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ
أَي خَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ مِنْ شَرَدَ البعيرُ إِذا نَفَرَ وَذَهَبَ فِي الأَرض. وَفَرَسٌ شَرُود: وَهُوَ المُسْتَعْصي عَلَى صَاحِبِهِ. وقافِيَةٌ شَرُودٌ: عائِرَةٌ سائِرَةٌ فِي الْبِلَادِ تَشْرُدُ كَمَا يَشْرُدُ الْبَعِيرُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
شَرُودٌ، إِذا الرَّاؤُونَ حَلُّوا عِقالَها، ... مُحَجَّلةٌ، فِيهَا كلامٌ مُحَجَّلُ
وشَرَدَ الْجَمَلُ شُروداً، فَهُوَ شَارِدٌ، فإِذا كَانَ مُشَرَّداً فَهُوَ شَريد طَريد. وَتَقُولُ: أَشْرَدْتُه وأَطْرَدْتُهُ إِذا جَعَلْتَهُ شَريداً طَريداً لَا يُؤْوى. وشَرَدَ الرجلُ شُروداً: ذَهَبَ مَطْرُوداً. وأَشْرَدَه وشَرَّدَه: طَردَه. وشَرَّدَ بِهِ: سَمَّع بِعُيُوبِهِ؛ قَالَ:
أُطَوِّفُ بالأَباطِحِ كُلَّ يَوْم، ... مَخافةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمُ
مَعْنَاهُ أَن يُسَمِّعَ بِي. وأُطَوِّفُ: أَطُوفُ. وحَكِيمٌ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْم كَانَتْ قُرَيْشٌ وَلَّتْهُ الأَخذ عَلَى أَيدي السُّفَهَاءِ. وَرَجُلٌ شَريدٌ: طَرِيدٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ
؛ أَي فَرِّق وبَدِّدْ جَمْعَهُمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ إِن أَسرتهم يَا مُحَمَّدُ فَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهم مِمَّنْ تَخافُ نَقْضَهُ الْعَهْدَ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَلَا يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ. وأَصل التَّشْرِيدِ التَّطْريدُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَمِّعْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهم، وَقِيلَ: فَزِّعْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ طَرِيدٌ شَرِيدٌ: أَمَّا الطَّريدُ فَمَعْنَاهُ المَطْرود، وَالشَّرِيدُ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما الْهَارِبُ مِنْ قَوْلِهِمْ شَرَدَ الْبَعِيرُ وغيرُه إِذا هَرَبَ؛ وَقَالَ الأَصمعي: الشَّرِيدُ المُفْرَدُ؛ وأَنشد الْيَمَامِيُّ:
تَراهُ أَمامَ النَّاجِياتِ كأَنه ... شَريدُ نَعامٍ، شَذَّ عَنه صَواحِبُه
قَالَ: وتَشَرَّدَ القَوْمُ ذَهبوا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لخَوَّات بْنِ جُبَيْر: مَا فَعَلَ شِرادُك؟
يُعَرِّضُ بقضيّته مع ذَاتَ النِّحْيَيْن فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وأَراد بشِراده أَنه لَمَّا فَزِعَ تَشَرَّد فِي الأَرض خَوْفًا مِنَ التَّبَعة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رَوَاهُ الهرويّ والجوهريّ فِي الصِّحَاحِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ؛ وَقِيلَ: إِن هَذَا وهمٌ مِنَ الْهَرَوِيِّ وَالْجَوْهَرِيِّ، وَمَنْ فَسَّرَه بِذَلِكَ قَالَ: وَالْحَدِيثُ لَهُ قِصَّةٌ مَرْويَّةٌ عَنْ
خَوَّات أَنه قَالَ: نَزَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَرِّ الظَّهْرانِ فَخَرَجْتُ مِنْ خِبائي فإِذا نِسْوَةٌ يتَحَدّثن فأَعجبنني، فَرَجَعْتُ فأَخرجت حُلَّةً مِنْ عَيْبَتي فَلبسْتُها ثُمَّ جَلَسْتُ إِليهن، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهِبتُه فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَمَلٌ لِي شَرُود وأَنا أَبْتَغِي لَهُ قَيْداً فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَبِعْتُه فأَلقى إِليَّ رِدَاءَهُ ثُمَّ دَخَلَ الأَراكَ فَقَضَى حَاجَتَهُ وتوضأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شَرُودُك؟ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَجَعَلَ لَا يَلْحَقُنِي إِلا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ، مَا فَعَلَ شِرادُ جَملك؟ قَالَ: فَتَعَجَّلْتُ إِلى الْمَدِينَةِ وَاجْتَنَبْتُ